هاهو العيد قد عاد إلينا من جديد لكنه يحوى مذاقاً مختلفاً هذه المرة, فهو لم يعد "عيد مبارك" ولكنه لم يصل بعد إلى "عيد ثورة" وبينهما لازلنا نقف حائرين.. قلقين.. طموحاتنا تفوق سقف السماء والمتاح لنا حتى الآن يتشبث بنا فوق الأرض وربما يهبط بنا تحتها فى أحيان أخرى!! جاء العيد وهاهم المصريون لازالوا يأكلون الكعك.. يقفون صفوفاً مزدحمين لشراءه.. يطربون عند سماع أم كلثوم فى "ليلة العيد".. يشترون الملابس الجديدة لأبنائهم.. يفكرون فى مدارسهم التى باتت على الأبواب.. لكنهم فى الوقت نفسه ينتظرون ماستسفر عنه دعوات لمليونيات جديدة - لايهدأ أصحابها عنها – تحت مسمى "إصلاح المسار" ! هاهم المصريون يخرجون إلى المتنزهات ولازالوا يدخلون دورالسينما.. يجلسون على المقاهى وفوق أسوار الكورنيش.. يرفعون أصوات تسجيلاتهم بالأغانى ويجرون فى الحدائق ... لكنهم لاينسون ولايتناسون الجدل الدائر والمناقشات الحامية والسفسطة الفكرية حول الدولة الدينية "إخوانها وسلفييها" والدولة المدنية "ليبرالييها ومناصريها". المصريون فى العيد.. لازالوا يضحكون من قلوبهم مع نكات الثورة الجديدة, وكوميديا المواقف مع الأفلام القديمة, ولايتوقف صراخهم من ضوضاء الأطفال وصغار الشباب الذين يملئون الشارع للعب الكرة أو لإشعال الألعاب النارية ونصب المقالب فى الكبار والصغار من جيرانهم ... ولكن عقلهم لم يتوقف عن مستقبل هؤلاء الأبناء ومصير أيامهم المقبلة التى يخافون عليها ومنها.. يأملون أن تصبح أجمل كثيراً من أيامهم.. أقل فقراً وأكثر كرامة وأفضل تربية وتعليماً. هاهو العيد يدب فى أوصال المصريين وقد جاء بعد ثورة وأمل ورجاءً فى انتشال أنفسهم من غياهب العودة إلى الوراء.. العودة إلى سنوات وسنوات أكل فيها الكبير الضغير.. أصبح فيها الكذب والنفاق وبيع الضمير وإهدار الأخلاق مبادئاً لاغنى عنها لكى تتبوأ مكانتك فى مجتمع تحولت فيه السرقة لدى الكبار وكأنه "عٌرف" ينطوى على صك البقاء فى المقدمة.. تبدلت فيه معايير الكفاءة والجد والاجتهاد بالقدرة على التسلق والبيع وإهدار كرامة النفس. جاء عيد هذا العام مختلفاً والمصريون يدركون ذلك جيداً ولكنهم بقدر إدراكهم وأملههم ورجاءهم فى عيد قادم أفضل فهم لازالوا يخشون "خفافيش الظلام" الذين يريدون اللعب فى أوصال هذه البلد.. يريدون أن يقلبوا حالها وأحوالها لينزعوا من قلبها وعقلها حضارة آلاف السنين .. ولكن المصريين يعون أيضاً ان بلادهم التى اختصها الله بالذكر فى كتبه السماوية وحفظها وأمَنها ستبقى يده فوق أيدى كل هؤلاء الذين لايريدون بها خيراً وأن محاولاتهم سترتد إلى صدورهم وقلوبهم السوداء أما المصريون فإن عيدهم سيبقى وفرحتهم وضحكاتهم ستستمر تملئ الأرواح والقلوب وتنزع الهموم من العقول .. وهم لن يتنازلوا عن حياتهم وبلدهم لأنهم لمن لايعرف التاريخ يعيشون فى أم الدنيا كلها.