تحولت جريدة زس المصري الحديث إلي مؤسسة ثقافية معنية بمتابعة قضايا الواقع المصري والعربي والعالمي, وإتاحة المجال واسعا أمام قرائها للتواصل مع مختلف تيارات الحركة الأدبية والفكرية; مما تحقق عبر تقليد إتاحة صفحاتها لمقالات كبار الكتاب والمفكرين في عقود عديدة. وتعكس علاقة توفيق الحكيم(1898-1987) بتلك المؤسسة نموذجا راقيا للتفاعل بين المؤسسة الصحفية بوصفها مؤسسة ثقافية والكاتب والمفكر بوصفه كما تدلل علي ذلك حالات عديدة- مؤسسة لإنتاج أفكار التقدم والنهضة والتنوير, والتأثير في الرأي العام بل تشكيل توجهاته. تبلور نشاط توفيق الحكيم في الأهرام في عشرات المقالات التي نشرها فيه, وعلي الرغم من أن ذلك النشاط قد شهد كثافة بارزة في العقدين الأخيرين من حياة الحكيم فإنه لم يكد ينقطع منذ العقد الثاني من ممارسة الحكيم الكتابة الأدبية; إذ كان أزمة الوزراء المتعطلين وإنهاض المسرح المصري مقاليه الأولين المنشورين بالأهرام في عام1938 م, ويشير عنوانهما إلي تراوح اهتماماته بين القضايا السياسية والقضايا الفنية. وقلت إسهامات الحكيم الكتابية بالأهرام في عقد الخمسينيات,ثم تواصلت علي نحو متقطع في عقد الستينيات حين كتب في1964/5/1 مقالا عن السد العالي بعنوان إني حي, وفي1965/3/15 ز س., في جانب من جوانبه, إلي أن الحكيم في هذا العقد كان يستكمل مشروعاته في التجريب الإبداعي والتنظير النقدي والفكري, فلما فرغ من ذلك أصبحت الكتابة الصحفية شاغله الأساسي وتحولت صحيفة زس بشرائح من القراء علي امتداد ربوع الوطن العربي, فنشط في كتابة المقالات في عقد السبعينيات, وتوهج نشاطه ذاك في عقد الثمانينيات مما يتجلي في ظاهرتين بارزتين: أولاهما التنوع الهائل في الموضوعات التي تناولها فشملت قضايا سياسية واجتماعية وأدبية وثقافية ودينية مختلفة تتعامل مع هموم مصرية وعربية وعالمية, حيث نحت مقالاته إلي تقديم خلاصات الرؤي التي انتهي إليها الحكيم المفكر والفنان علي نحو ما يتجلي في مقالات الجمال والحب و الانقلاب والثورة وفلسفة القوة والتسليم لله والتربية والتعليم و الثورة والعقل والأساس الدستوري و لطفي السيد وفي الديمقراطية وتطبيق الشريعة الإسلامية والاجتهاد في الإسلام وس س س س س س س وإرادة النجاح ودعوة لإصدار موسوعة عربية, وغيرها من المقالات. وثانيتهما حرصه علي أن يضع لكتاباته عنوانا خاصا يمثل عنونة لمقاله أو صفحته, وكان يحرص علي تغييره من فترة إلي أخري فكان أن اختار عنوان الطعام لكل فم لمجموعة مقالاته المنشورة في أكتوبر ونوفمبر وديسمبر1976 علي الرغم من كونها تعالج موضوعات متنوعة, كما اختار عنوان دفتر الجيب لمجموعة مقالاته المنشورة طوال الفترة من نوفمبر1985 إلي نهاية يناير.1987 وللمتابع لعلاقة كتابة الحكيم بالأهرام أن يسجل أن الأحاديث الأربعة التي نشرها بالأهرام في الشهور الأولي من عام1983 تحت عنوان حديث مع الله, وهي مجموعة من المناجيات التي فاض بها قلمه في تجربة المرض, قد أثارت بعض رجال الدين كالشيخ متولي الشعراوي والشيخ محمد الطيب النجار مما أدي إلي نشوب معركة فكرية قصيرة بين الحكيم والشعراوي اتسعت دائرتها قليلا بدخول زكي نجيب محمود ويوسف إدريس في غمارها, وسجل الحكيم وقائعها ونصوص مناجاته في كتابه الأحاديث الأربعة(1983). إن تأمل مسيرة العلاقة بين الحكيم والأهرام, المؤسسة الثقافية قبل الصحافية, إنما يكشف عن عدة دلالات أبرزها ذلك الخيط الرفيع الذي ربط بين الأهرام, المؤسسة الثقافية الفاعلة في تشكيل الرأي العام المصري والعربي, وبين نخبة الكتاب والمفكرين المصريين من الطبقة الأولي, والمنتمين إلي تيارات فكرية متنوعة, فمن ناحية قدم هئولاء المبدعون لقارئ الأهرام زادا وفيرا من الأفكار والرؤي الخصيبة. ومن ناحية ثانية وجد هئولا المبدعون, كما وجد الحكيم, في الأهرام قناة توصيل رائقة احترمت عقل القارئ الذي منحها ثقته, وأتاحت لهم إمكانية غير محدودة من حرية الرأي والكتابة مما شكل عقدا غير مكتوب بين إدارة الجريدة المستنيرة وكتابها وقرائها فكان لها أن تمضي واثقة فييمسيرتها المؤثرة نحو المستقبل.