هلت بشائر رمضان ببهائه وكرمه, فهو شهر ينتظره المسلمون في أنحاء الأرض علي شوق ولهفة, وهو شهر ميزه الله عن باقي شهور السنة الاثني عشر, قال تعالي:( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض), التوبة:36], ومن المميزات التي أنعم الله سبحانه وتعالي بها علي هذا الشهر الكريم فرضية الصيام, قال تعالي: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه, البقرة:185], كما أنعم الله عز وجل علينا فيه بإنزال القرآن, ومن كرم الله في هذا الشهر الطيب أيضا: فتح أبواب الجنة وأبواب الخير والفضل, واشتماله علي ليلة عظيمة ألا وهي ليلة القدر, وجاء هذا التفضيل من الله سبحانه وتعالي ليكون محلا للسبق ونيل أعلي الدرجات, وتدارك الفائت من الأعمال والأوقات, وعلي المسلم الكيس الفطن أن يغتنم نعمة هذا الشهر وكرم الله تعالي المتواصل فيه. ونظرا لفضل هذا الشهر العظيم, وعموم الرحمة فيه, وكثرة المنن التي يمنها الله تعالي فيه علي عباده, كان حقيقا بأن يهنئ الناس بعضهم بعضا بقدومه, والتهنئة بالأعياد والشهور والأعوام مشروعة ومندوب إليها, قال تعالي: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون, يونس:58], والتهنئة مظهر من مظاهر الفرح, وجاء في القرآن الكريم تهنئة المؤمنين علي ما ينالون من نعيم, وذلك في قوله تعالي: كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون, الطور:19], وكان النبي صلي الله عليه وسلم يهنئ أصحابه بقدوم شهر رمضان, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يبشر أصحابه يقول: جاءكم رمضان, شهر مبارك( أخرجه النسائي وأحمد), وتسن إجابة المهنئ تهنئته بمثلها أو أحسن منها; لقوله تعالي: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان علي كل شيء حسيبا, النساء:86]. ولا يقتصر الاحتفال بقدوم شهر رمضان علي المسلمين فقط, بل يمتد إلي الكون كله تقديرا لعظمة وجلال هذا الشهر, فتفتح أبواب الخير وتغلق أبواب الشر, وهو ما فسر به قوله صلي الله عليه وسلم: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين( أخرجه مسلم). واختص الله عز وجل ليالي شهر رمضان كلها بكثرة الصلات الربانية, والنفحات الإلهية, ففي الليل تسري طاقات الأنوار التي يتجلي بها الله علي خلقه, ومن ذلك ما ورد من قوله صلي الله عليه وسلم: إذا كان أول ليلة من رمضان, فتحت أبواب الجنان كلها, لا يغلق منها باب واحد الشهر كله, وغلقت أبواب النار, فلم يفتح منها باب واحد, وغلت عتاة الشياطين, ونادي مناد في السماء الدنيا كل ليلة, إلي انفجار الصبح: يا باغي الخير هلم, يا باغي الشر انته, هل من مستغفر فيغفر له؟ هل من تائب فيتاب عليه؟ هل من سائل فيعطي سؤله؟ هل من داع فيستجاب له؟ ولله عز وجل عند وقت فطر كل ليلة من رمضان, عتقاء يعتقون من النار( أخرجه ابن شاهين في فضائل شهر رمضان). ومن العبادات المستحبة في هذا الشهر إخراج الصدقات فهي من أعظم الأعمال التي يثاب المسلم عليها, قال تعالي: وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين, آل عمران:134,133], وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب, ولا يقبل الله إلا الطيب, وإن الله يتقبلها بيمينه, ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه, حتي تكون مثل الجبل( البخاري), والفلو أو: الفلو لغتان-: هو المهر, أي: الصغير من أولاد الفرس. والصدقة عظيمة البركة علي صاحبها وعلي كل من ساهم فيها بوجه ما, فيعمهم الثواب والخير وإن قلت أياديهم فيها, كما ورد في الحديث الشريف عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: إن الله عز وجل ليدخل بلقمة الخبز, وقبضة التمر, ومثله مما ينتفع به المسكين, ثلاثة الجنة: رب البيت الآمر به, والزوجة تصلحه, والخادم الذي يناول المسكين, وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: الحمد لله الذي لم ينس خدمنا( أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط). إن شهر رمضان من الأوقات الفضلي التي تعطي للمسلم أعظم فرصة لمغفرة ذنوبه, وذلك باغتنامها في التوبة والرجوع والإنابة إلي الله تعالي فيها; لكثرة الرحمات والعطايا, وحلول أسباب السعادة وبعد أسباب الشقاء, فقد ورد عن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه رقي المنبر فقال: آمين, آمين, آمين, فقيل له: يا رسول الله, ما كنت تصنع هذا؟! فقال: قال لي جبريل: أرغم الله أنف عبد دخل رمضان فلم يغفر له, فقلت: آمين, ثم قال: رغم أنف عبد أدرك والديه أو أحدهما لم يدخله الجنة, فقلت: آمين, ثم قال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك, فقلت: آمين( أخرجه ابن حبان والطبراني).