هو أبو بكر محمد بن يحيي بن الصائغ التجيبي فيلسوف الأندلس السرقسطي الشهير بإبن باجه فيلسوف وطبيب أشتهر في القرنين الخامس والسادس الهجريين والثاني عشر الميلادي، وهو أول من أشاع العلوم الفلسفية في الأندلس بغير نزاع، ولد في مدينة سرقسطة الأندلسية، حيث قضي فيها مراحل طفولته الأولي، وفي شبابه عمل ما يقرب من عشرين عاما كاتبا ووزيرا لأبي إبراهيم بن تيفوليت المسوفي صهر علي بن يوسف بن تاشفين وذلك قبل أن يرحل إلي أشبليه بعد سقوط سرقسطه بيد الفونسو الأول ملك أرغون عام 1116 م حيث أقام بها زمنا ثم سافر إلي غرناطة ومنها إلي المغرب فكان موضع الإجلال والإكبار لدي أمراء المرابطين وامتاز بأنه جمع إلي جانب الفلسفة علوم الطب والرياضات والفلك والطبيعيات والموسيقي وقد وضع علومه في خدمة فلسفته لذا يعتبره الدارسون أول من أقام العلوم الفلسفية علي أسس من العلوم الرياضية والطبيعية. عمد ابن باجه إلي العودة بالفلسفة إلي أصولها الأرسطية خالصة كما هي في كتب أرسطو مبتعدا عن أفكار العرفان والأفلاطونية المحدث فكان بذلك أحد أفراد تيار تجديدي أندلسي حاول فصل الأفكار العرفانية التي اختلطت كثيرا بالفكر الإسلامي والذي بدأ بمشروع ابن حزم الذي عهد إلي تأسيس منهج العودة إلي الأصول استبعاد القياس في الفقه واستأنف بعد ابن باجه بإبن رشد الذي عمد إلي فصل نظام البيان الفقهي عن نظام البرهان الفلسفي، بمصطلح آخر فصل الدين عن الفلسفة كأنظمة استنتاجية وربطها عن طريق الغايات والأهداف. ولقد كان ابن باجه متوقد الذكاء وذا سعة من الفكر وفاق أهل عصره في الفلسفة والحكمة فهو يمثل في الغرب المدرس الأرسطوية الأفلاطونية الجديدة. أما عن فلسفته في الإنسان هي أن كل حي يشارك الجمادات في أمور، وكل إنسان يشارك الحيوان في أمور، لكن الإنسان يتميز عن الحيوان غير الناطق والجماد والنبات بالقوة الفكرية، ولا يكون إنسانا إلا بها وعن فلسفته في منازل الناس، فصنفها إلي المرتبة الجمهورية وهؤلاء لا ينظرون إلا للمعقول والمرتبة النظرية، و،هؤلاء ينظرون إلي الموضوعات أولا، وإلي المعقول ثانيا ولأجل الموضوعات، أما مرتبة السعداء وهم الذين يرون الشيء بنفسه. ويمكن أن يطلق علي فلسفة ابن باجه اسم (علم الانسان) فقد كان جل ما تناوله فيها يبحث في ميدان الإنسان، والفكرة الأساسية التي أضافها إلي التراث الفلسفي هي ما يتصل باتحاد العقل الفعل بالإنسان. تعاقبت اهتمامات ابن باجه العلمية، فتعلق بالموسيقي تذوقها كأستاذة الفارابي، ثم مال إلي المنطق والفلسفة والطب والرياضيات والطبيعة والنفس. أما عن تراثه من الرسائل والكتب فقد ذكر منها (في عيون الأنباء في طبقات الأطباء) لإبن أبي أطبيعه سبعة وعشرون منها رسالة الوداع وجهة إلي تلميذه علي ابن الإمام السرقسطي قبيل رحلته إلي الشرق وتحدث فيها عن غاية الوجود الإنساني في تجاوز حدود الفردية والاتحاد بالنفس الكونية ثم الاتصال بالله الذي لا يكون إلا بالعلم والفلسفة. ولقد نشر هذا ابحث المستشرق الأسباني هيجيل اسين بالاثيوس مع ترجمة أسبانية عام 1943 بمدريد، كما أشار ابن طفيل العالم الأندلسي الكبير عام 1185 م بعمق تفكير ابن باجه وذلك في مقدم كتابه الشهير (حي بن يقظان). وفي مجال الطب شرح كتابي الأدوية المفرد لجالنيوس والعالم الأندلسي ابن الوافد اللذين يأخذان بمبدأ العلاج الطبيعي بالأغذية بدلا من العقاقير الطبية وبالأدوية المفرد بدلا من المركبة وقد انتفع بهذا ابن البيطار عالم النباتات الشهير عام 1248 م. وله أيضا كتاب اختصار الحاوي للرازي وكتاب فن المزاج بما هو طب، كما ترك مدرسة فلسفية كبيرة تتلمذ فيها من اعلماء ابن رشد الطبيب الفليسوف وأبو الحسن الغرناطي وهو عالم متميز في العلوم والآداب وتأثر بها العالم الأندلسي الشهير ابن طفيل. ترجمت أغلب كتبه إلي اللغة اللاتينية وعرف ابن باجه في الغرب باسم (Avenpace) ومن أشهرها (تدبير التوحد) الذي يتخيل فيه مدينة لا يشغل أهلها غير (تدبير) واحد أو غاية واحد طريقها العقل فتحقق لها ولهم السعادة، ويقسم ابن باجه غايات الإنسان إلي جسدية وروحانية وعقلية وهذه الأخيرة هي أرقاها ومن كتبه المترجمة أيضا (كتاب النفس) وكتاب (الكون والفساد) ورسالة (الاتصال) ورسائل ابن باجه الإلهية. قال ابن باجه مكانه عالية عند حكام الاندلس فكان لهذه المرتبة أن أثارت حسد عند من الوزراء واتهم بالإلحاد، كما ترصد له زملاؤه الأطباء وحاولوا قتله أكثر من مرة لنبوغه في الطب وعلو شأنه فيه، فكان ينجو مرة بعد مرة حتي مات مسموما ودفن في مدينة فاس ببلاد المغرب عام 1139 م.