مكافحة الفقر والبطالة وإنعاش الاقتصاد وإصلاح التعليم واستعادة دور مصر الإقليمى مهمة أجيال من الحكومات ورؤساء الدولة ولست أصدق أبدا مرشحا للرئاسة أو حزبا يسعى نحو البرلمان يتحدث فى ثقة مفرطة عن قدرته فى بضع سنين على مكافحة الفقر والبطالة وعن تحسين الرعاية الصحية والتعليم والبحث العلمي. وعن الدعم والعدالة الاجتماعية وإنعاش الاقتصاد وتحديث الصناعة ونهضة الزراعة واستعادة ريادة مصر ومكانتها الإقليمية والعالمية. فهى مجرد وعود إما أنها تعبر عن غيبة الوعى لدى المرشحين أو الناخبين أو لديهما معا. فالدول الكبرى باستقرارها السياسى ومواردها الاقتصادية الضخمة لاتزال تعمل حتى الآن من أجل مكافحة الفقر والبطالة وتحديث التعليم وبقية تلك المشكلات. المتابع لما يتحدث به السادة المرشحون للرئاسة يوحى بأننا لانعرف حقيقة الذى نريده من رئيس الجمهورية فى المرحلة المقبلة. فالرئيس القادم هو الأول من نوعه فى حقبة الثورة الجديدة التى أنهت جمهوريات يوليو 52. المرشحون الرئاسيون يتحدثون فى ثقة عن مشكلاتنا الراهنة ولكنهم يتحدثون على استحياء وفى غموض عن الشكل السياسى والاقتصادى والاجتماعى للمجتمع المصرى الذى يمكن أن يحقق تلك الوعود السابقة جميعا. فالثقافة التى أورثتنا مشكلاتنا الراهنة ليست هى الثقافة القادرة على مواجهتها. وإذا كان مرشحو الرئاسة يتحدثون عن برامج لمكافحة الفقر والبطالة فما الذى تركوه للأحزاب فى حملاتها الانتخابية. وكيف يستقيم الأمر لو أن حزبا تم انتخابه كانت له رؤى مختلفة أو أيديولوجية متناقضة فى معالجة تلك القضايا مع رؤى وبرامج الرئيس المنتخب أيضا. نحن بحاجة إلى أن نستبين الحدود الفاصلة بين الحكومة ورئيس الجمهورية وأن نعرف كيف ستكون اختصاصات كل منهما وطبيعة العلاقة بينهما. خاصة أن احتمالات أن يأتى كل منهما من توجه سياسى مختلف واردة وبشدة. نحن مجتمع ميراثه الديمقراطى غير متصل ومع ذلك فنحن ننظر فى تجارب الدول من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والبرازيل وشيلي. نريد أن نقطع فى شهور ما قطعته تلك الدول فى عقود وقرون. نريد أن نمشى ونجرى ونطير فى وقت واحد. نرفض فكرة التطور فى قفزات غير محسوبة ربما إلى المجهول. لماذا لانستلهم واقعنا فيما نحن مقبلون عليه من ممارسات ديمقراطية فنرى الذى يلائمنا الآن والذى يلائمنا غدا. لم يتحدث أى من المرشحين المحتملين للرئاسة عن الانفجار السكانى الذى يبلغ بنا بعد سنوات قليلة حدود التسعين مليون نسمة بينما تقل الموارد وتتراجع قدرة المجتمع على الاستخدام الرشيد لها. مشكلة حقيقية يهرب المرشحون منها خوفا من الصدام مع قطاعات من المجتمع تذكر تعداد سكان الصين وتتناسى مواردها الطبيعية والبشرية. لم يتحدث أى منهم عن الثقافة الاجتماعية السائدة ومدى صلاحيتها لبناء نهضة حقيقية فى السياسة والتعليم والاقتصاد. ينظر كل منهم إلى من يحيطون به من ذوى التعليم ويظن أنهم مصر. ويغازل فى غير اكتراث فخر المصريين بتاريخهم فلا يواجهنا بمشكلاتنا الحقيقية التى تزيد من صعوبات مواجهة التحديات. سنوات القهر والظلم أفرزت قيما اجتماعية وأخلاقية لاتصلح لبناء نهضة حقيقية ومع ذلك لم يقترب أى مرشح من تلك الحقيقة ومعظمهم يدرك أهمية القيم الاجتماعية السائدة فى بناء الأمم ونهضتها. الديمقراطية ليست فقط نظاما للحكم ولكنها ثقافة اجتماعية وسياسية تنمو بالتدريج وتترسخ عبر السنين. ولا تجد من المرشحين من يشرح لنا كيف نبنى ثقافة الديمقراطية، ونرسخ ثقافة الانصياع لقوانين الحياة المدنية، ونستخرج من عمق الشخصية المصرية القيم التى جعلت كل مصرى دكتاتورا على من تحته وخاضعا لما فوقه. لم يظهر بعد من مرشحى الرئاسة من يضع لنا بعيدا عن البلاغة الإنشائية برنامجا حقيقيا للتحول الديمقراطى الحصين القادر على مواجهة أى محاولة قد تنشأ للعودة بالزمن إلى الوراء. تحول ديمقراطى يعظم من قدرات المجتمع على مواجهة البطالة والفقر وتراجع قيم العمل وإتقانه بدلا من الإغراق فى وعود مكافحة من لانستطيع مكافحته إلا بتحول ديمقراطى حقيقي. نريد مرشحا يكشف لنا على طريق المستقبل ما نستطيع رؤيته ونطمئن به على مسيرتنا. منذ نجاح الثورة ونحن نشعر بالتحرر وسوف يستمر ذلك الشعور سنوات ولكننا بحاجة إلى الانتقال من الشعور بالتحرر إلى ممارسة الحرية وتلك هى المهمة الأصعب فى حياتنا القادمة. المثير للدهشة أن الذين انعقد العزم لديهم على الترشيح لرئاسة الجمهورية أصبح عددهم يحصى بالعشرات وليس بالآحاد. أشخاص لا يجمع بينهم حتى الآن سوى وصف وسائل الإعلام لكل منهم بأنه مرشح محتمل لرئاسة الجمهورية. وهو وصف لا أفهمه حتى الآن. فالمرشح المحتمل يعنى أنه أيضا مرشح غير محتمل. ومع أن الترشيح حسب وصف وسائل الإعلام محتمل، إلا أن السادة الذين أعربوا عن نية الترشيح يمارسون حياتهم وكأنهم مرشحون حقيقيون وليسوا محتملين. بدأ كل منهم حملته الانتخابية وهو لم يزل بعد مرشحا محتملا لم تثبت بعد رؤية هلال ترشيحه. كثرت فى أحاديثهم الوعود وتكرر ظهورهم فى الحشود بحثا عن شعبية تتحقق باستثمار أحلام المقهورين وآمال الفقراء إلى آخر المدي. المزيد من مقالات د. حمدي حسن أبوالعينين