فتحت مصر كلها أعينها منذ أيام على خبر القبض على إيلان تشايم جرابيل، الجاسوس الإسرائيلي.. وتهمته التجسس على مصر بهدف الإضرار بالمصالح الاقتصادية والسياسية للبلاد. وكما عودتنا المخابرات العامة المصرية أن تأتينا بصيد ثمين.. كل الشكر والفخر لجهازنا اليقظ، الذي لقن الموساد صفعة موجعة. يتساءل بعض المعارف والمحيطين بي بحيرة شديدة وبالتأكيد هذا نفسه هو التساؤل الذي يدور في أذهان الكثيرين، وهو كيف دخل هذا الجاسوس عابرا منافذنا الحصينة أو التي من المفترض أن تكون هكذا؟ من المفترض أن أي إنسان يتقدم بطلب الحصول على فيزا سواء في مصر أو في أي دولة ما.. تقوم الجهات المعنية بعمل تحرياتها للتأكد من هوية هذا الشخص، ولا يفترض أنه بمجرد أن يتقدم بأوراق ثبوتية يحصل على الفيزا، فلابد من التأكد من صحة كل معلومة يتقدم بها. الأمر المدهش أنه بعد التحقيق مع الشاب الإسرائيلي الذي اعتقل في القاهرة بتهمة التجسس، لم يصدر في بداية الأمر أي تعليق رسمي إسرائيلي على القضية.. ثم بعد ذلك عبر وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن اليعازر وهو شخصية محورية في العلاقات بين مصر وإسرائيل في السابق عن أمله في ألا يكون القبض عليه محاولة "لتجميد عملية السلام بالكامل".. وكانت مصر قد وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979 . بينما أظهرت كتابات نشرها الشاب نفسه أنه هاجر إلى إسرائيل من الولاياتالمتحدة، وأنه يعمل على الترويج لإسرائيل في الدول العربية، في حين أكدت والدته إيرين و صحيفة "هآرتس" أن جرابيل خدم في الجيش الإسرائيلي وأصيب خلال حرب لبنان الثانية عام 2006. و في بيان للنائب العام في مصر جاء أن الرجل الذي صدر أمر بحبسه على ذمة التحقيقات، أرسل لمصر لتجنيد عملاء لمحاولة جمع معلومات ومتابعة أحداث ثورة 25 يناير الثاني. وتتطابق صور جرابيل على صفحة "مشروع إسرائيل" على موقع فيسبوك وهي جماعة مؤيدة لإسرائيل تدرب فيها على العلاقات الإعلامية عام 2008 وفي نشرة الكترونية لمنظمة تجمع أموالا لجنود إسرائيليين مع تلك التي نشرت في لقطات فيديو للمشتبه به في مصر. أما عن صدى القبض على الجاسوس في المحيط الإقليمي جاء مطلب أهالي الأسرى الفلسطينيين لجمهورية مصر العربية ممثلة بالمجلس العسكري الأعلى وشباب الثورة المصرية، بعدم إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي ايلان جرابيل، إلا بعد صفقة مشرفة يخرج خلالها الأسرى المصريون والفلسطينيون من داخل سجون الموت الإسرائيلية. أما أطرف ما قرأت في قضية الجاسوس هو تناول وسائل الإعلام الإسرائيلية التي أمعنت في انتقاد الشبان المصريين الذين أنشئوا صفحات على الفيسبوك ونشروا تعليقات على موقع تويتر حول إيلان جرابيل المعتقل، تصفه بأنه "أهبل وأغبى جاسوس في العالم". بينما ذهبت صحيفتا يديعوت احرونوت ومعاريف والقناة السابعة للتلفزيون الإسرائيلي إلى ابعد من ذلك، حيث اعتبرت أن السخرية اللاذعة والإهانات التي وجهها المصريون تعد عملا "معاديا للسامية"، وهي تهمة يلصقها الإسرائيليون واليهود بأي شخص أو دولة تستنكر ممارساتهم. وعبر المصريون عن سخريتهم الشديدة من الجاسوس الإسرائيلي الذي وصفوه بأغبى جواسيس العالم لافتقاده لأدني مقومات هذه المهنة، متسائلين عن كيفية وصوله إلى مصر وهو يحمل صورا شخصية بزي الجيش الإسرائيلي؟ وكيف تحمل صفحته على الفيسبوك اسمه الحقيقي ودون تفعيل خصوصيات التحكم فيها؟ المطلوب من مصر في المرحلة الحالية هو تأمين معابرها والتحري الدقيق عن معلومات كل من يطلب الحصول على فيزا أو يدخل إلى مصر وتأمين حدود مصر من جميع الإتجاهات درءا ومنعا لدخول هؤلاء الجواسيس.. وأن يتذكر المسئولون في مصر أن هذا الجاسوس صيدا ثمينا لا يجب أن يضيع هباء.