حسنا فعل مجلس الوزراء عندما أعلن عدم وجود تعديل وزاري في الوقت الراهن. فبدون شفافية كاملة تتيح للناس معرفة أسباب استبدال وزير بآخر, والمعايير الموضوعية المحددة التي يقوم عليها, لا يمكن أن يثقوا في أن تعديلا ما سيجعل الأداء الحكومي أفضل. ولكن المشكلة أبعد من ذلك وأكبر. فالتشكيل الوزاري الحالي معيب في مجمله لأسباب عدة أهمها أربعة: أولها عدم وضوح الأساس الذي شكلت الحكومة بناء عليه, وهل هي حكومة عادية أم انتقالية. فالشكل يفيد أنها حكومة عادية كاملة العدد بل زائدة عن بعض حكومات سابقة, وأنها تعمل كما لو أننا في ظروف طبيعية. فباستثناء عدم إعلان برنامج وزاري, يفيد الشكل في مجمله أنها حكومة عادية. غير أنه حتي الحكومة الانتقالية تلتزم ببرنامج, بل تزداد الحاجة إليه في الظروف غير الطبيعية التي تعمل في ظلها مثل هذه الحكومة. ولا يجوز التذرع بعدم وجود برلمان يقدم البرنامج إليه, لأن الشعب الذي ينوب عنه هذا البرلمان موجود سياسيا اليوم بأكثر مما كان في أي وقت مضي. أما السبب الثالث الذي يجعل الحكومة بتشكيلها الحالي معيبة فهو افتقاد حد أدني من التجانس أو التوافق بين أعضائها القادمين من عصور مختلفة, والتناقض بين خلفيات واتجاهات بعضهم. وليس هناك ما يدل علي وجود تواصل, ناهيك عن الحوار, بينهم. وهذا فضلا عن السبب الرابع الذي يظهر عبر ملاحظة المفارقة الشديدة بين وزارة غير مسيسة لم يرتكب الأغلبية الساحقة من وزرائها إثم العمل السياسي يوما, وشعب لم يهتم بالسياسة في تاريخه بمقدار انشغاله بها اليوم. ولذلك لم تمض أسابيع قليلة علي تشكيل هذه الحكومة حتي ظهرت الفجوة واسعة مع الشعب, لأن الوزراء الذين لم ينزلوا إلي الشارع يوما في عمل سياسي لا يستطيعون التواصل معه ولا يملكون القدرة علي قراءة الواقع في لحظة بالغة التعقيد. وحكومة هذه حالها لا جدوي من استبدال بعض وزرائها. وربما لا يكون أمام رئيسها د. عصام شرف الذي حصل علي شرعيته من الثورة إلا خياران: أولهما أن تبقي حكومته في الأشهر الثلاثة الباقية حتي موعد الانتخابات البرلمانية في حالة التيه التي ظلت فيها خلال الأشهر الثلاثة الماضية, وأن يكتفي بدوره هو شخصيا وبالجهد الطيب الذي يبذله بعض الوزراء كل وفق اجتهاده وقدراته, ولكن في غياب برنامج ورؤية واضحة. هذا خيار لا يصح أن يرضيه لأنه يخرجه من التاريخ بطريقة معاكسة لتلك التي دخله بها. أما الخيار الثاني فهو إعادة تشكيل الحكومة وفق مفهوم مختلف لتكون حكومة انتقالية محددة المهام بدقة, وأن يختار أعضاؤها بعناية شديدة وبمواصفات تجمع بين المعرفة أو الخبرة كل في مجاله والتجربة السياسية( أو علي الأقل الحس السياسي المرهف). وكلما قل عدد أعضاء أية حكومة انتقالية تتولي السلطة لفترة قصيرة في ظروف غير طبيعية, ازدادت إمكانات التفاهم بينهم والعمل كفريق متكامل. وكلما كان برنامج هذه الحكومة الذي تقدمه إلي الرأي العام واضحا ومحددا, صار في استطاعتها أن توازن بين ثورة التوقعات التي تحملها أعباء غير محدودة والإمكانات والقدرات الفعلية في اللحظة الراهنة. وليس هناك أفضل من المصارحة لتجسير الفجوة التي توسعت مع معظم قطاعات المجتمع ووضع حد للإحباط الذي بدأ في الانتشار, وخصوصا حين يكون لدي الوزراء من التجربة السياسية ما يمكنهم من التواصل مع الناس بشكل مباشر وليس فقط عبر الإعلام الذي لا يفيد في بناء مثل هذا التواصل إذا لم يكن الوزير سياسيا يعرف الطريق إلي الشارع ويدرك كيفية التعامل معه. فعندما يلعب الشارع دورا محوريا في صنع القرار للمرة الأولي في تاريخ مصر, يفترض أن تكون للحكومة صلة ما بهذا الشارع. وليس هذا صعبا بأي حال. في جامعاتنا ونقاباتنا وجمعياتها, وعلي هوامش بعض أحزابنا, كثير ممن يجمعون الكفاءة والقدرة علي الإدارة من ناحية والتجربة أو الخبرة السياسية من ناحية ثانية. ولا تحتاج حكومة انتقالية إلي أكثر من عدد يتراوح بين10 و15 وزيرا, لأن دمج بعض الوزارات ضروري في مراحل الانتقال, فضلا عن أن هناك وزارات لا دور يذكر لها في مثل هذه المراحل التي تشتد الحاجة فيها إلي رؤية واضحة للأولويات التي هي في مصر الآن مثل الاقتصاد والأمن والبناء الديمقراطي. وبالرغم من أن الرؤية هي بطابعها طويلة المدي, فليس لحكومة انتقالية أن تتخذ قرارات تتجاوز المدي القصير الذي تعمل فيه حتي لا تصادر حق الشعب الذي سينتخب برلمانا يترتب عليه تشكيل حكومة عادية هي التي ينبغي أن تحدد السياسات لخمس سنوات قادمة. فليت رئيس الحكومة يبادر إلي مراجعة القرارات والإجراءات التي اتخذت بالتجاوز لحدود ولاية هذه الحكومة إذا لم يقدر أهمية إعادة تشكيلها لتصبح أكثر جدوي وفاعلية. ولهذا, ولغيره, يشفق علي د. شرف كل من يحترمه وينتظر من حكومته خيرا بعد أن لم يعد أمامه إلا إعادة تشكيل هذه الحكومة بشكل صحيح.. أو أن يتحمل حكم التاريخ عليها بالرغم من كل ما يبذله من جهد. المزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد