بعد ان اسقطنا النظام.. كيف نتجنب حالة الفوضي التي تصيب مجتمعنا اثناء انتقاله من حالة الاستبداد الي حالة الديمقراطية؟ سؤال تجيب عليه مبادرة العدالة الانتقالية: مدخل للانتقال الآمن للمجتمع المصري من الاستبداد الي الديمقراطية التي يطلقها الناشط الحقوقي ناصر امين رئيس المركز العربي الاستقلال القضاء والمحاماة الذي شارك في التجربة المغربية عام1994 ويطرح في مبادرته برنامج للعدالة الاجتماعية يرقي الي مصاف البرامج العلمية هو خلاصة تجارب دولية لمجتمعات تحولت من حالة الي حالة بهدف انقاذ البلاد من مرحلة مابعد الثورات مؤكدا ان الثورة من وجهة نظره لم تبدأ بعد لأن الثورة تعني ان نعيد بناء الدولة مرة أخري وتنفيذ هذا سيستمر طويلا لاننا نقرأ ونتخلص من أمراض تاريخ أمتد لاكثر من30 عام, وهذا يتطلب مجموعة من البرامج لابد ان يشترك في تنفيذها كلا من الدولة والمجتمع باعتبارهما شريكين رئيسيين فيها. المبادرة هي برنامج من خمسه مراحل يجب ان تمر بها البلاد للانتقال الآمن أول تلك المراحل هي مرحلة المحاسبة.. ثم التعويض.. ثم الاصلاح المؤسسي الذي يليه مرحلة معرفة الحقيقة.. واخيرا احياء الذكري. يؤكد أمين.. ان مرحلة المحاسبة لا تعني ان تكون المحاسبة اعتباطية علي حد تعبيره بمعني ان تكون الاتهامات جزافية وبدون دليل بل علينا ان نعرف ان المحاسبة في برنامج العدالة الانتقالية محددة وعلينا ان نجد مجموعة من الشخصيات الرئاسية أو القيادات العامة بعينها ولا نتحدث في تلك المرحلة عن كل مرتكبي الجرائم في سابق لان هؤلاء قد يصل عددهم لمئات الألوف وهو بالطبع مايعجز نظامنا القضائي عن التحقيق فيه لذا فعلينا ان نقسم مرتكبي الجرائم الي قيادات مسئولة في النظام السابق اخذت قرارات عمدية ونفذتها بالفعل وهؤلاء عددهم ليس بالضرورة كثير ونحاسبهم وفق محاكمات عادلة ومنصفة ومراقبة حتي لايظلموا, بمعني إلا نحاكمهم بمنطق الانتقام منهم وذلك حتي نقلل حجم الانتقام عند المجتمع.. أما بقية من ارتكبوا جرائم وهؤلاء عددهم كبير نطبق عليه قاعدة الآمر والمأمور, مثلما فعلت جنوب افريقيا اي ان من ارتكبوا جرائم لانه كان يجب عليهم ان ينفذوا الأوامر نتعامل معهم بالعفو مقابل الحقيقة اي المجتمع سيصفح عنهم اذا ماقالوا لنا عما حدث معهم تماما واعترفوا بما ارتكبوا من جرائم تفصيليا حتي لا يتكرر مرة أخري في المستقبل. ويأتي الاصلاح المؤسسي كمرحلة ثانية وبدونه لا يمكن أن تنجح ثورة لانه لم يتحقق فهذا معناه ان النظام القديم باق ورويدا رويدا سيعود النظام القديم بممارساته مرة أخري. والإصلاح المؤسسي هنا لا يعني ان ندخل علي كل مؤسسات الدولة مرة واحدة ونطهرها وهذا خطأ والافضل هو الاصلاح ولنبدأ بأهم ثلاث مؤسسات لأي دولة وهي الشرطة والقضاء والاعلام ونغير قياداتها التي تحمل افكارا ضد فكر الثورة أو تحمل اراء النظام السابق التي ادت إلي التدمير ففي جنوب افريقيا علي سبيل المثال لم يكن من المعقول علي ابقاء اناس يؤمنون بالفصل العنصري علي رأس اجهزة الاعلام وثورتهم تطالب باسقاط النظام المؤيد للفصل العنصري. مع مراعاة اننا لا يحب ان نلقي بعيدا بتلك القيادات ففي الاصلاح المؤسسي يجب ان نحافظ علي كل الموجودين باعتبارهم من مقومات الدولة حتي وان اختلفنا معهم في الرأي وعلينا ان ننزعهم من مواقعهم ثم نحولهم لقوة ايجابية في مواقع اخري قد يكونوا مفيدين فيها وياتي الي مواقعهم بدلا منهم كل من يدعم افكار الثورة هذا بالنسبة للقيادات أما الاقل فنعيد تأهيل افكارهم حتي ينخرطوا في المجتمع. اما التعويض فليس المقصود به المعني القريب وهو التعويض عن الاضرار التي وقعت يوم25 او28 يناير بل التعويض لكل من تضرر علي مدار ال30 عام الماضية بسبب النظام السابق الذي اسقطته انت وهم عدد صعب احصاءه.. اذا ماذا نفعل؟ بالنظر الي تجربة تشيلي بلاتين امريكا اتبعوا التعويض المادي فظهرت العديد من الادعاءات وقدم العديدون مستندات مغلوطة استنفذت القضاء والاموال هناك تجارب دولية اخري اتبعت التعويض العيني بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والشركات ورجال الاعمال والمجتمع ككل فمثلا نوظف ابناء الشهداء او نوفر لهم تعليم مجاني راقي ونحن هنا لايجب ان نحمل الهم لان منظمة الاممالمتحدة لديها صناديق تدعم برامج التعويضات عن طريق لجان التعويض التي تحصر المتضررين عبر مستندات ومعايير محددة بدون ان تثقل كاهل القضاء المصري المثقل بالاصل وتشكل لجان خاصة لتري أي نوع من التعويض اصلح. ونصل إلي رابع مرحلة في برنامج العدالة الاجتماعية وهي مرحلة الكشف عن الحقيقة من خلال لجان تقصي الحقائق التي تريد كشف كل الجرائم البسيطة حتي نعرف كيف فكر النظام السابق وكيف غسل العقول ونحن هنا لا نريد ان نتصف بالتسامح ولكن لعدم تكرار ذلك مرة أخري في المستقبل. واخيرا احياء الذكري وهي أهم مرحلة نقوم فيها بتشكيل ذاكرة جماعية للمجتمع تجعله ينفر من النظام السابق وينظر لعصرة بمنتهي الآسي, ولا نقبل ان يتكرر في حياتنا مرة أخري ولنتحري مثلا تجربة المغرب التي حددت يوم عيد الثورة مزارا سياحيا لأبشع سجونها يذهب المسجونين اليه ليحكوا عما تعرضوا له من تعذيب امام الاعلام العالمي ونحن نستطيع ان نفعل هذا مع بعض اقسام الشرطة التي احترقت واماكن الاحتجاز والتعذيب.