-1- إذا كان باراك أوباما نموذجا لأفضل ما في المجتمع الأمريكي, فإن القس المتطرف تيري جونز الداعي لحرق نسخ من المصحف الشريف هو تجسيد لأسوأ ما فيه من المهم جدا أن ندرك منذ البداية أن الكنيسة التي يقودها هذا القسيس, لايزيد عدد أتباعها علي50 أو100 عضو علي أقصي تقدير. , وهذا يبين أن أنصار مثل هذه النوازع النازية أو الفاشية في المجتمع الأمريكي هم بالضرورة أعدادهم محدودة. قد يقول البعض, إن له أنصارا أو متعاطفين, أو مؤيدون غير معلنين, من أولئك الذين يمكن تسميتهم( بالصامتين), ولكن المهم في مثل هذه المواقف أنهم يلوذون بالصمت. فنحن لم نر تظاهرات ضخمة تؤيد دعوته الخرقاء. كما لم نر أعمالا انتقامية واسعة النطاق تستهدف المسلمين الأمريكيين أو المراكز الإسلامية والمساجد في المدن المنتشرة علي امتداد الأراضي الأمريكية وليس في هذا أي غرابة. فنحن نتحدث عن مجتمع متحضر, علي درجة عالية من التعلم, وله قدرة متميزة علي إدارة صراعاته وخلافاته علنا وفي حدود الرأي والرأي الآخر. وحتي الضغوط عندما تلجأ السلطات إلي ممارستها أو التلويح بها, فإنها تفعل ذلك علنا, وليس من باب التهديد, ولكن بدافع الردع. لهذا السبب, فإن إثارة قضية اعتزام القسيس المتطرف حرق المصحف الشريف, وما ثار حولها من آراء وحوارات وضغوط علنية لم تؤد إلي انفجار العنف الاجتماعي. بل أدت إلي زيادة درجة المعرفة بما يجري, وتوفير المعلومات للجميع وإتاحة كل الحجج. ولم تخضع إدارة الأزمة في كل مراحلها لأسلوب السرية أو التعتيم أو التكتم, بدعوي المحافظة علي الأمن القومي, أو لأن القضية ملتهبة وحساسة, أو لأنها أصبحت في أيدي أجهزة المباحث والمخابرات بالرغم من أنهم يلعبون دورا لا ينكر فيها وحتي وزارة الدفاع وقائد القوات الأمريكية في أفغانستان, جميعا لهم دور. 2 هذا القسيس المتطرف الجهول, ليس وجها نادرا في الحياة الأمريكية فعندما ثار العبيد وتحرروا في القرن ال19, ظهرت عصابات إجرامية هي الكوكلوكس كلان ووضعت نصب أعينها, الانتقام من أي أسود يسعي لان يكون علي قدم المساواة مع البيض. ولم يقف الأمر عند هذا الحد. فقد روت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة أنها كانت ذات مرة وهي صبية مع جدتها في أتوبيس في ولاية من ولايات الجنوب, وفوجئت بأن الركاب البيض أجبروها وجدتها علي النزول من الأتوبيس, لأنه غير مصرح للسود بركوبه لأنه مقصور علي البيض فقط. وقالت إن هذه الحادثة وقعت نحو عام1964 أي بعد98 عاما من بدء حركة تحرير العبيد عام1864. فلنتذكر, أن أوباما, ليس فقط من أصول إفريقية, بل هو أيضا من أصول إسلامية. المدهش في القصة, أن الأصل الإسلامي للرجل, لم يقف حجر عثرة أمام انتخابة ولم يكد يمضي علي حادث9/11 سوي سبع سنوات. نحن اذن أمام مجتمع يتعامل مع أمراضه وتوتراته الداخلية علنا, ويحاول أن يتصدي لها ويعالجها علي رءوس الأشهاد. ولم يعن اختيار أوباما للرئاسة, أن الجرح الذي أصاب هذا المجتمع من المسلمين الإرهابيين في ذلك اليوم الاغبر قد اندمل. فهذا أمر يحتاج إلي سنوات طويلة, لكن لاحظ مثلا, أن هذا المجتمع قادر علي التعلم من تاريخه. فإذا كان الأمريكيون قد شنوا حركة اعتقالات واسعة, شملت كل ذوي الأصول اليابانية بعد هجوم بيرل هاربور, وجري عزلهم في معتقل خاص أشبه بالمعازل العنصرية, إلا أنهم لم يفعلوا مثل هذا مع أي من ذوي الأصول الإسلامية بعد11 سبتمبر. 3 يجب ألا ننسي أن كل الضجة المثارة حول إقامة مركز إسلامي في موقع مركز التجارة العالمي بنيويورك( أي جراوند زيرو) ترتبط ارتباطا وثيقا بانتخابات تجديد كل أعضاء مجلس النواب, وثلث أعضاء مجلس الشيوخ. وتشير كل الاستطلاعات إلي أن الجمهوريين سيحققون نصرا حاسما في مجلس النواب, ولكن النجاح المنتظر في الشيوخ لن يكون بذات القدر. والسبب الأساسي في هذه النكسة الوشيكة التي ستتعرض لها الادارة الأمريكية هي مشكلة البطالة التي وصلت معدلاتها إلي9,6% فضلا عن بوادر دخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة ركود تضخمي, حيث تنتشر البطالة, وتنهار أسعار السلع, في هذه الظروف, فإن الجمهوريين لديهم كامل الاستعداد لأن يستخدموا أي موقف قد يؤدي إلي زيادة التعاطف معهم. لذلك بادروا عند أول لحظة إلي الالتفاف حول معارضة إقامة مركز إسلامي في موقع انهيار البرجين. وهم لا يتورعون عن التحريض علي المسلمين الأمريكيين. ولأنهم يدركون أن لأوباما أصولا إسلامية, فقد ضيقوا عليه الخناق, بالتشكيك في أنه مسلم سرا, ثم بانتهاز فرصة هذا القس الأحمق الذي يعتزم إحراق المصحف الشريف ليكون شعارا يلتفون من حوله لعله يجلب لهم المزيد من الأصوات ليكملوا السيطرة علي الكونجرس بمجلسيه, فهل يحقق الجمهوريون هدفهم ؟. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن