كثرت الأحاديث في الآونة الأخيرة عن الدور المصري في غزة وتجرأ الكثيرون علي الموقف المصري من القضية الفلسطينية ودورها الريادي العربي متناسين أن مصر خاضت حروبها الأربع ضد إسرائيل. وكانت مشاركتها في هذه الحروب دفاعا عن عروبتها وأرضها دون أن تنسي قضية الشعوب العربية الشقيقة التي تقبع تحت الاحتلال الإسرائيلي البغيض. ويبدو أن هؤلاء المشككيين نسوا أو تناسوا أن مصر لم تنس أبدا انتماءها العربي ودورها المحوري حتي عندما دخلت في مفاوضات لإبرام اتفاقية سلام مع الجانب الإسرائيلي. وكلنا نتذكر أن مصر طالبت بحضور فلسطيني في تلك المفاوضات إلا أنها جوبهت بالرفض والقطيعة العربية باعتبارها خائنة. وعادت الأحداث وأثبتت أن مصر والرئيس الراحل أنور السادات كان له بعد نظر سبق عصره عندما انتهج طريق السلام الذي كان يرفضه المشككون آنذاك. ولكن هل يتصور المشككون حاليا شكل الوطن العربي لو لم تكن مصر موجودة أمام إسرائيل ؟ ما الذي كان سيحدث آنذاك ؟ وماذا كانت إسرائيل ستفعل بالمنطقة لو لم تكن مصر بثقلها تقف أمامها في الحرب والسلام. إن القدر المصري يضعنا دائما أمام مواقف تاريخية نتعرض فيها من آن لآخر للشتائم والاتهامات الضحلة التي لانعرف سببها أليس من الأفضل أن توجه لضرب العدو الإسرائيلي أم أصبح استهداف قلب الأمة العربية غاية يطمح إليها الكثيرون. وياليتهم يدركون أنه لو أصيب ذلك القلب بضرر فسيعم ذلك علي جميع أرجاء الوطن العربي, فقوة مصر قوة للأمة العربية وضعفها هوان علي العرب أيضا. وتناسي أيضا المشككون أن مصر هي التي دعت إلي الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من غزة في سبتمبر عام2005, كما أن مصر هي التي أرسلت خبراء أمنيين لتدريب قوات الأمن الفلسطينية وأقنعت الفصائل الفلسطينية بعدم تعطيل الانسحاب. كما أن مصر هي التي دعت إلي اتفاق القاهرة الأول للتهدئة والمصالحة في مارس2005 وعلي أساسه تم إجراء الانتخابات في يناير2006 ثم جرت تهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية مهدت للانتخابات وأوقفت قيام إسرائيل باغتيال زعماء حماس بعد ان كانت قد قتلت الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي. ولايمكن أن ننسي أن مصر شاركت في مراقبة الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير2006. ومصر تدخلت أيضا أثناء العدوان الإسرائيلي علي غزة بين27 ديسمبر2008 و17 يناير2009 لوقف هذا العدوان. وكانت من أكثر الدول التي بذلت جهودا مضنية من أجل ذلك. وقد عبر آلاف المواطنين الفسطينيين الحدود بين مصر وغزة خلال العالم الماضي ناهيك عن أطنان المساعدات الغذائية والطبية من الهلال الأحمر المصري والعديد من الهيئات الأخري لسكان غزة. و تسمح مصر من آن لآخر بعبور العالقين والمرضي والجرحي والطلبة من غزة إلي مصر. لقد انشغل العالم بأزمة قافلة شريان الحياة 3 المفتعلة مع مصر والادعاءت بأن مصر تعطلها, ونسي أن مصر فتحت معبر رفح طيلة خمسة أيام أمام أبناء غزة قبل فترة مرور القافلة وبعدها.. ولكن للأسف لم يلتفت المشككون لفتح المعبر وانتبهوا فقط لمناوشات القافلة مع الأمن المصري التي دفع ثمنها جندي مصري شهيد لا ناقة له ولابعير. والمعبر يفتح بين الحين والآخر, حيث لايمر شهر إلا ويفتح وربما أكثر من مرة في الشهر الواحد أمام العالقين الفلسطينيين. وهنا نتساءل هل المطلوب من مصر أن تفتح حدودها علي مصراعيها لسكان غزة حتي يخلو القطاع من سكانه كما تريد إسرائيل وبالتالي تكون تل ابيب قد حققت أحد أهم أهدافها وهي تصدير مشكلة سكان غزة إلي مصر لتكرس احتلالها للأراضي العربية في فلسطين؟. إن لسكان غزة قضية يجب ان يستمروا في النضال من أجلها ويتحملوا المصاعب من حصار إسرائيلي وعلي مصر والدول العربية أيضا أن تساعد السكان الأبرياء علي الصمود في أرضهم أمام هذا الحصار وهذا لايعني التغاضي عن هذا الحصار, وإنما وفي الوقت نفسه بذل المساعي الدبلوماسية لرفعه وهذا ما يرتكز عليه الموقف المصري من غزة. فبدلا من توزيع الاتهامات جزافا لابد من دعم المساعي الدبلوماسية الهادفة لحل الأزمة وفك الحصار عن غزة لأنها السبيل الوحيد للحل وليس تبادل الاتهامات التي لاتصب بالطبع في مصلحة الشعب الفلسطيني.