من الناحية التاريخية يعد الوفد هو الحزب الوحيد الذي عرف كل صنوف العمل السياسي, فقد شارك كحزب حاكم وكحزب معارض في الفترة ما قبل ثورة يوليو1952, ثم عرف فترة تجميد ثم عودة إلي الحياة السياسية1978, ومشاركا في الانتخابات البرلمانية82 و87 ثم حزبا مقاطعا للانتخابات ومنزويا في ركن بعيد نسبيا رغم وجود رموز وفدية في صدارة المشهد الاعلامي والسياسي المصري. وأخيرا يتطلع الحزب إلي أن يقود المعارضة المصرية في الانتخابات البرلمانية المقبلة باعتباره حزبا مفوضا من الأمة بالمعني التاريخي, ويمثل ضميرها ويجاهد من اجل حقوقها منذ1919 وحتي الآن حسب قناعات رئيس الوفد الجديد د. السيد البدوي. خبرة حزب الوفد علي هذا النحو البندولي تعطيه زخما سياسيا كبيرا, وتؤكد أن ثوابته التاريخية ليست مجرد مقولة عابرة, وانما هي ثوابت ممزوجة بالتاريخ والتضحيات وتراكم للعمل السياسي في ظل أجواء وبيئات سياسية متعددة. الوفد اليوم هو وفد جديد, هكذا ما تقوله وتوحي به تحركات رئيسه الجديد, الذي نال شرف الفوز بهذه الرئاسة في انتخابات حزبية جرت في28 مايو الماضي وشهد لها الجميع بالنزاهة والشفافية والرصانة. ووفقا لوعده أمام ناخبيه الوفديين أن أمامه18 شهرا, سيفعل فيها كل ما يستطيع لكي يتصدر الوفد المشهد السياسي ويستعيد دوره ومكانته كحزب يعكس ضمير الامة وتطلعاتها. ويقينا فإن من حق أي حزب أن يرنو إلي الصدارة وإلي القيادة وإلي الحكم, ومن حقه أيضا أن يدخل في الحوارات مع هذا الطرف أو ذاك من أجل استقطاب التأييد الشعبي. كما يمتد هذا الحق إلي الدخول في تحالفات أو تنسيق موسع أو جزئي مع قوي حزبية او سياسية اخري. إنه حق مبدئي, لكنه يتعرض لظروف ومتغيرات الواقع وملابساته, ومن هنا يمكن الحكم ليس علي المبدأ في حد ذاته, وانما علي العائد المحتمل من هذا الحوار أو ذاك التحالف والتنسيق. وجزء من الحكم سيظل مرهونا بمدي الاتساق بين الثوابت التاريخية من جانب ومقتضيات اللحظة الجارية من جانب آخر. لقد أدت التحركات الودية والسياسية التي قام بها رئيس الوفد الجديد تجاه أحزاب الائتلاف الرباعي وجماعة الاخوان إلي اثارة العديد من المعضلات أمام الوفد ورئيسه. فزيارة مقر جماعة الاخوان واللقاء مع مرشدها العام أثار إلي أي مدي سيقوم الحزب بالتنسيق أو بالتحالف مع هذه الحركة, في الوقت الذي تتصادم فيه ثوابت كل طرف مع الآخر. وتبدو طبيعة الدولة وهل هي مدنية كما يقول الوفد أم دينية كما تسعي إلي ذلك جماعة الاخوان, وما يرتبط بذلك من مواقف مختلفة تجاه الاقباط والمرأة, واحدة من اكبر نقاط التمايز بين الطرفين. ورغم تصريحات السيد البدوي العديدة حول مفهوم الدولة المدنية التي يؤمن بها الوفد كجزء من تراثه وثوابته التاريخية, وتأكيده علي أن الدولة المدنية التي يؤمن بها الوفد هي دولة غير دينية ولكنها لا تقصي الدين ولا تنكر الروحانيات, وذلك علي عكس الدولة العلمانية التي تقضي الدين تماما من الحياة العامة وترتبط بأذهان العامة بالكفر, فقد أثار البعض احتمال التحالف مع جماعة الاخوان. غير أن الحق يشهد أن الرجل كان حاسما في التفرقة بين الحوار الذي يمكن ان يقيمه الوفد مع اي قوة سياسية بما في ذلك جماعة الاخوان, والتحالف معهم وهو الامر الذي لا يمكن حدوثه لاسباب شتي, منها سابق الخبرة السلبية كما في الانتخابات السابقة, وكذلك لتباين المنظور السياسي والايديولوجي. وتشهد تحركات السيد البدوي أيضا علي أن الرجل يدرك تماما أن الدور الأهم هو الذي يجب أن تقوم به الأحزاب الشرعية, إلي الحد الذي يجب أن تقوم بجهد مضاعف من اجل استقطاب الشباب الغاضب والمشارك في حركات احتجاجية ذات طبيعة خاصة كحركة شباب6 إبريل, التي قرر الوفد أن يقدم لها الرعاية السياسية, أو بمعني أخر استقطابها لكي يكون أعضاؤها أعضاء في الوفد نفسه ولو بعد حين. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو هل يستطيع حزب الوفد بقيادة السيد البدوي أن يعيد تشكيل خريطة التوازنات الحزبية السائدة, وأن يفرض جزءا مهما من خطة العمل السياسي الجماهيري, أو ما يوصف بأجندة العمل العام؟ سؤال يمكن الاجابة عليه من بعض التحركات التي قام بها د. السيد البدوي لم تكن تخلو من دلالات ظاهرة وباطنة علي السواء. فالرجل بعد فوزه استطاع تشكيل العديد من المؤسسات الفرعية داخل الحزب, كما دعا كثيرين من ذوي الشهرة في مجالات مختلفة لكي يكونوا اعضاء في الحزب, والبعض منهم سبب للرجل مشكلات سريعة, حسب ما ظهر في تصريحات د. سعاد صالح التي ترفض حق الاقباط في الولاية مما دفع كمال زاخر إلي تقديم استقالته من الحزب. ورغم اعتذار د. سعاد عن تصريحاتها, فقد ظهر ان ثمة تباين في الرؤي بين أعضاء الوفد القدامي وهؤلاء الجدد الذين وفدوا إلي الحزب بدافع من زخم التغير الذي حدث علي قمة رأس الحزب قبل عدة اسابيع لا اكثر. والظاهر أن الرهان علي دور جديد لحزب الوفد مرهون أساسا بالقدرة علي كسر حالة الاستقطاب الشديد السائدة في السنوات الخمس الماضية بين الحزب الوطني الحاكم وبين جماعة الاخوان المحظورة قانونا, والنشطة سياسيا وبرلمانيا. والذين يؤيدون مساعي الوفد ينطلقون أساسا من كونه حزبا شرعيا قانونيا له تاريخ مشهود وتراث سياسي ليبرالي مدعوم بالتمسك بالعدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة والاعتراف بدور الدين في حياة المصريين ولكن دون السماح بقيام دولة دينية. وبالتالي فهو أحق بقيادة المعارضة وبمنافسة شريفة وشديدة مع الحزب الوطني في أية انتخابات قادمة برلمانية أو رئاسية. وهو تأييد يمتد أيضا في مواجهة الحركات الاحتجاجية الشعبية التي تبلورت, إما من خلال حركة الشارع أو عبر الفضاء الاليكتروني وسعت جميعها إلي مناطحة الحزب الوطني الحاكم ودعوة الناس إلي كسر احتكاره للسلطة أو الحد منها علي الأقل. والمؤكد أن تمكن الوفد من المنافسة بقوة مع الحزب الوطني سيؤدي إلي تشكيل بيئة سياسية جديدة من شأنها أن تسيطر علي العديد من الظواهر غير المرغوبة أو التي تزيد من الاحتقان العام أو تضرب في مكانة الاحزاب الشرعية, والتي تظهر بقوة لبعض الوقت, ولكنها تخبو بعد ذلك وتدخل دائرة النسيان, ولكن تترك كثيرا من الاثار السلبية علي الوضع السياسي العام. وكون الوفد حزبا شرعيا يتمسك بالنظام العام يوفر له ميزة نسبية مقارنة بجماعة الاخوان, والحركات الاحتجاجية الشعبية, لكنه لا يعني أنه يتصادم تماما مع بعض اطروحات ومطالب هذه الجماعات الرئيسية. ففكرة تعديل الدستور مثلا تعد فكرة جامعة او قاسما مشتركا بين الوفد وغيره من الأحزاب والحركات الاحتجاجية, غير أن طرح أسلوب التغيير أو التعديل يعد مناط الاختلاف والاجتهاد. وهنا نجد الوفد يلجأ إلي تقديم مبادرات لتغيير بعض القوانين كما يدعو إلي تعديل بعض مواد الدستور القائم وليس الاطاحة به تماما. وتعد مبادرته الخاصة بوضع ضمانات للانتخابات المقبلة إحدي مظاهر الوفد الجديد برئاسة السيد البدوي, والتي تم الاعلان عنها في مؤتمر وفدي جماهيري يوم9 أغسطس الماضي, معتبرا إياها معيارا رئيسيا لضمان مشاركة الوفد في الانتخابات. ولكن يمكن القول أن فكرة الضمانات لنزاهة الانتخابات ليست فكرة وفدية خالصة, ولكنها فكرة حزبية عامة ومنذ فترة بعيدة, وكل ما هنالك ان الوفد قدم رؤية متكاملة بشأن هذه الضمانات تتعلق بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات واختصاصاتها ومدتها وإجراء تعديلات تشريعية تتعلق بجداول الانتخابات استنادا للرقم القومي وسد ما يراه منافذ التلاعب والتزوير, والمطالبة بالفرز في اللجان الفرعية وإقرار حق منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في مراقبة العملية الانتخابية, وتعيين قوة من الشرطة تحت إمرة اللجنة العليا, فضلا عن إجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية غير المشروطة. هذه الضمانات التي يطالب بها الوفد تكاد تعد شرطا مسبقا للمشاركة في الانتخابات المقبلة. أو بعبارة اخري يسعي الوفد إلي تأكيد فعاليته السياسية من خلال دفع النظام السياسي لقبول أفكاره واطروحاته الخاصة بضمانات الانتخابات كشرط مسبق لمشاركته في هذه الانتخابات, ومن ثم المساعدة في كسر الاستقطاب السياسي بين الحزب الوطني وجماعة الاخوان. غير أن حصافة السيد البدوي تظهر في ربط المشاركة في الانتخابات بقرار من الجمعية العامة للحزب المقرر عقدها في17 سبتمبر المقبل, والتي سيكون عليها ان تقيم الموقف, غالبا في حالة عدم الاستجابة لاي من الضمانات المطلوبة, وان تتخذ قرارا بالمشاركة أو المقاطعة. والمرجح ان يشارك الحزب في الانتخابات أيا كان الموقف الحكومي من مسألة الضمانات المطلوبة. فحالة الزخم التي يعيشها الوفد حاليا لا تتوافق سياسيا أو نفسيا مع العودة مرة أخري إلي قرار المقاطعة, الذي في هذه الحالة سيكون بمثابة حكم بالاعدام للوفد الجديد النشط الساعي إلي صدارة المشهد السياسي المعارض. ويدعم من ذلك أن هناك تيارا بالفعل في داخل المؤسسات القيادية للوفد تؤمن بأن المقاطعة تعني الموت السريري للحزب, وأن المشاركة مهما كانت الأجواء غير مناسبة تماما هي الخيار الامثل للبقاء في الصورة والاستمرار كحزب حي معطاء.