من المقولات المعروفة إن المولودة الحديثة تأتي الي العالم ومعها صاجات الرقص أما المولود الحديث فيحمل معه كرة شراب, لا أستطيع أن أؤكد الجزء الأول من المقولة, ولكن بدون شك أن الجزء الثاني صحيح. وإذا رجعنا بالذاكرة إلي أيام طفولتنا لوجدنا أن احذيتنا كانت تدوب من استعمال الطوب ككرة, وكنا في طريقنا الي المدرسة نختار طوبة توصلنا الي المدرسة. كنا ونحن أطفال نلعب بأي شئ بالعلب الفارغة وبالكرة الشراب وحين ارتقينا كنا نلعب بكرة التنس وأذكر أننا في شبرا, حيث كبرت وترعرعت كان لكل شارع فريق كرة وكنا ننظم مباريات بيننا, وكنا نقيم المباريات في الأراضي الخالية الخرابات كما كنا نسميها, وكنا نحدد الأجوان بحجارة ونرسم بالجير خطوط اللعب, وكان لكل فريق ملابسه الخاصة, وفي يوم المباراة يتجمع مشجعو الفريقين ويتبادلان الهتافات المهذبة وبعد انتهاء المباراة كان الفريق الفائز يقدم لغريمه زجاجات الاسباتس ولم تكن هناك كوكا كولا أو بيبسي. وقد كنت شخصيا من هواة اللعبة, وكنت فردا في فريق السكند في المدرسة التوفيقية وأذكر دوري المدارس وكان لا يقل أهمية عن الدوري الحالي بين الأندية وكانت مباراة التوفيقية وشبرا الثانوية مثل مباراة الأهلي والزمالك الآن, وقد كان لكل مدرسة ملعب في حجم الملاعب الدولية وكان يحكم مباريات المدارس حكام كبار ممن كانوا يحكمون مباريات الأندية, وقد استطاعت فرق المدارس أن تخرج لاعبين عظاما مثل عبد الكريم صقر والجندي ومدكور الذين قادوا فريق مصر في الألعاب الأوليمبية في لندن عام1948, وكنت في ذلك الوقت ملحقا ثقافيا في لندن واختارني رئيس اللجنة الأوليمبية المصرية لأكون ملحقا أوليمبيا, ومازلت اذكر المباراة العظيمة التي لعبناها ضد فريق الدنمارك وكانت النتيجة1/2 في مصلحة الدنمارك وقد أدي الأعجاب بلعب فريقنا الي دعوته للعب في بعض الدول الأوروبية. جاءتني هذه الذكريات وأنا أتابع مباريات كأس العالم المقامة في جنوب إفريقيا وقد شعرت بحماس شديد لكأس هذا العام بالذات لحبي لكرة القدم بل لأنها تقام في إفريقيا قارتنا وفي جنوب إفريقيا بالذات, سعدت أن أري البلد الذي قاسي ما قاسي تحت الحكومة العنصرية, البلد الذي قاده نيلسون مانديلا الي الاستقلال ليصبح أول رئيس إفريقي لبلاده وتذكرت أول مرة قابلت وفد جنوب إفريقيا الذي جاء إلي مصر للمشاركة في المؤتمر الأول لتضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية, كان وفدا مكونا من بعض أعضاء الكونجرس الوطني الإفريقيanc والحزب الشيوعي وبدأنا في حركة التضامن المشاركة في نضال شعب جنوب إفريقيا من اجل الاستقلال, وكان من حظي أني تعرفت علي الكس لاجوما من أعظم كتاب جنوب إفريقيا. وبمناسبة كأس العالم أصدرت مجلة تايمTime الأمريكية عددا خاصا بعنوان للعبة العالمية يحتوي علي عدد من المقالات عن تاريخ هذه اللعبة وعن بعض مشاهير اللاعبين خاصة لاعب الكاميرون الفهد صمويل إيتو الذي كان أول لاعب يحصل علي الكأس الوطنية وكأس الدوري وبطولة أوروبا. وقد رأيت أن أقدم بعض الحقائق والآراء المهمة التي جاءت في بعض مقالات العدد الخاص, فنري ان الاحصاءات تقول أن30% من سكان العالم مسيحيون و20% من المسلمين ولكن محبي كرة القدم يفوقون الاثنين معا. ويقول الكاتب ستفن تونكنز مؤلف كتاب تاريخ مختصر للمسيحية إن اللاعبين هم الآلهة ومدرجات الملاعب هي مقاعد الكنيسة وأن كرة القدم هي الدين الجديد. في مقال بعنوان لعب اللعبة الثورية يقول الكاتب أن في جنوب إفريقيا كانت كرة القدم دائما بيانا سياسيا وأن نجاح كأس العالم الحالية سيكون بيانا آخر, ويصف الكاتب ملعب جزيرة روبن التي تبعد عشرة كيلو مترات من كاب تاون, وبسبب انعزال الجزيرة قد اقام بها المستعمرون البريطانيون سجنا للمعارضين لاحتلالهم البلاد.. وفي عام1960 أصبح السجن المكان الذي اعتقل فيه الحكم العنصري أكثر من2000 مسجون كان من بينهم نيلسون مانديلا الذي قضي18 سنة من سنوات سجنه السبع والعشرين هناك, وكان من عادة المسئول عن السجن ان يقابل المساجين مرة في الأسبوع ليسمع شكواهم وفي عام1964 أجمع المساجين علي طلب واحد ان يلعبوا كرة القدم وفي عام1967 وافق مدير السجن علي تخصيص ثلاثين دقيقة كل يوم سبت للعب كرة القدم وقام المساجين بتكوين فريقين تبعا لمتطلبات الاتحاد العالمي لكرة القدم. وكان المساجين يعرفون ان نظام الحكم العنصرية ينظر الي كرة القدم علي انها لعبة ثورية اذ ان مقدرة اللاعب قضت علي الاسطورة العنصرية بأن السود أقل عنفوانا من البيض وبرغم التغير الذي حدث في جنوب افريقيا بعد الاستقلال إلا ان البعض كان يري عدم قدرتها علي تنظيم كأس العالم ومن ثم كان هذا هو التحدي الذي واجه الحكومة. ويقول الرئيس زوما ان كأس العالم معيار ليبين ان جنوب افريقيا معها كل افريقيا, قادرة علي مواجهة ذلك التحدي ويضيف إذا استطعنا ان ننجح في تنظيم كأس العالم فإننا نكون قد أزحنا الفكرة التي خلقها الحكم العنصري ان هناك بشرا علي مستوي رفيع وآخر علي مستوي وضيع وسنكون علي استعداد لنأخذ مكانا في العالم. ومن الاحصاءات التي يحتويها عدد التايم الخاص نعرف ان هناك400 محطة تليفزيون في108 دول تذيع المباريات وانه في كأس العالم التي اقيمت في ألمانيا عام2006 شاهدها علي التليفزيون26 بليون مشاهد ومن المنتظر ان يزيد هذا العدد في الكأس الحالية. ونعرف مدي شعبية كرة القدم في ان مشاهديها يفوقون أي نشاط آخر ماعدا الطعام والشراب وممايعطي هذه اللعبة شعبيتها سهولة شروطها وامكان اللعب في أي مكان وعلي أي أرض وهي لا تحتاج الي معدات الا الكرة التي تكون من اي شيء من كرة تنس الي كرة عادية. ونختار كرة القدم بالديمقراطية فنجد ان من يلعبها قد يكون ابيض او اسود طويلا او قصيرا نحيفا او سمينا وهي كما يقول أحد اللاعبين مثل حياة الانسان لايمكن التنبؤ بما قد يحدث لها. ومن شأن كرة القدم ان تقرب الأفراد وان كانت ايضا تعكس الانتماء الوطني انتماء يكاد يكون قبليا. وقد ساعدت كرة القدم علي التقارب بين جهات معادية بعضها لبعض ولكنها في نفس الوقت قد تثير شعورا بالكراهية ويعطي احد المقالات حالة لاعب من كولومبيا اغتاله واحد من الجمهور لأنه أدخل في شبكة فريقه هدفا بالخطأ. ومازلت اذكر انه في احدي دول امريكا اللاتينية اقاموا اسلاكا شائكة وخنادق مائية حول الملاعب بعد اعتداء الجمهور علي اللاعبين الذي اسفر عن وقوع ضحايا. المزيد من مقالات مرسى سعد الدين