كتب الراحل الدكتور لويس عوض هذا الكتاب في عام1941 أي منذ ثمانية وستين عاما بالتمام والكمال. لكن أصول الكتاب ضاعت مع ماضاع من أشياء, وعبثا بحث عنها الرجل فلم يجدها حتي فوجئ ذات يوم بمظروف يأتيه عبر البريد, وبداخله نسخة من الكتاب المفقود. ويبدو أن نسخا أخري ذهبت الي كتاب آخرين, فيذكر د. لويس في مقدمته: جاءني لطفي الخولي الذي كان يشغل المكتب المجاور لي في الأهرام يعلن انه تلقي بالبريد نسخة من الكتاب, ولم تمض ساعات حتي كنت تلقيت نحو عشر مكالمات تليفونية من أدباء معروفين من بينهم توفيق الحكيم وحسين فوزي, كل منهم يعلن نفس الشيء ويستفسر عن الأمر! الكتاب الذي يقع في نحو300 صفحة من القطع المتوسط يضم بين دفتيه تجارب شخصية للناقد الدكتور لويس وآراء كان يتحمس لها في الفترة بين1937 و1940.. ويؤكد أنه في هذه المرحلة الحياتية كانت تؤرقه مشكلات كثيرة من بينها مشكلة الازدواج اللغوي في مصر وعلاقتها بالتعبير الأدبي. المعروف أن كتاب مذكرات طالب بعثة هو الكتاب الوحيد الذي وضعه د. لويس عوض باللهجة العامية المصرية وأهداه في ذلك الوقت الي آنسة فرنسية تدعي مادليف برنيه, ويصفها بأنها كانت واهبة السعادة له, وهي فتاة كان يحبها د. لويس حبا جما أيام التلمذة في انجلترا, وقبل أن يتزوج من فتاة فرنسية أخري التقي بها مصادفة أثناء الاحتفال في ميدان الباستيل الفرنسي الشهير بعيد الثورة الفرنسية التي تقام سنويا في14 يوليو. ولقد صرف المؤلف نظره تماما عن قضية الازدواج اللغوي بعد أن وضع كتابه مذكرات طالب بعثة ورأي أن دوره قد انتهي لأنه حسبما يقول في المقدمة يعتقد أن مهمته قد انتهت بطرح القضية علي الرأي العام, ومن ثم فالعودة الي القضية مرة أخري لن تزيد نفعا, والسبب الثاني هو أن مشكلة الازدواج اللغوي والتعبير الأدبي تؤرق الأديب المبدع أكثر مما تؤرق الأديب الناقد. الأهم من وجهة نظري أن هذا الكتاب يعتبر من الكتب القنابل شأنه في ذلك شأن كتاب الاسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق, وكتاب الشعر الجاهلي لطه حسين, وأثار قضية لاتزال حتي الآن تجد من يناصرها, وهي افساح المجال أمام العامية في مواجهة الفصحي. العجيب والغريب ان الدعوة التي حملها كتاب مذكرات طالب بعثة ظلت في حياة لويس عوض وكأنها اللعنة, فلقد استند اليها البعض في دعواهم بسحب جائزة الدولة التقديرية من لويس عوض الي جانب كتابه فقه اللغة العربية, لكنه سيبقي في كل الأحوال, علامة مضيئة في تاريخ العقل المصري الحديث والمعاصر الذي يرفض الجمود ويتطلع في دينامية غير مسبوقة الي فضاء من الفكر الليبرالي المستنير.