من السهل أن يكتشف الانسان أنه دخل مكانا مهجورا ولكن مصري ما أن وضع قدمه في الحديقة حتي توقع أن يهب كلب يحرس المكان فيه أن يطارده حتي ينجح في طرده قد يكون الكلب مثل كلاب المدن ضارا مضرا نظر حوله في الجهات الأربع أوشك أن ينادي علي الكلب يخرج له ويخلص منه ليتجول براحته في دنياه الجديدة, ضبط نفسه يفكر في الهوهوة. خاف أن تكون هناك وسائل أخري لتأمين القصر أخطر من الكلاب, كان يبحث عن مأوي يريح جسمه فيه, كان متعبا شعر بأن وجود مكان يستريح فيه الانسان نعمة من عند الله. لكنه جوعان. وأمه كانت تقول له في أيامه الخضراء, اثنان لا يهوب النوم نواحيهما: الجائع والخائف جمع بين الاثنين. عن الجوع أوشك أن ينسي الطعام لأنه حتي الماء له ثمن في هذه البلاد ليؤجل الراحة ومحاولات استجلاب النوم ليبحث عما يمكن أن يسد جوعه ويشعره بالشبع. 9 تراب وعنكبوت تأكد أن أصحاب المكان تركوه منذ فترة ليست قصيرة ربما كانوا علي سفر, غياب أصحاب المكان أسعده يمكنه البقاء لفترة طويلة قادمة, قد يستقر هنا, الجانب الآخر من الصورة أنه قد لايجد مايأكله, لم يستبشر خيرا, بقايا طعام تعني أن يسمع مواء قطط وأن يري ضوء أعينها كلما استتب الظلام لا قطط إذن ولا طعام ولا بقايا طعام, تبخر الأمل في أعماقه, قاوم اليأس ليبحث والمياه تكذب الغطاس, خرج الي الحديقة كان معرضا لأن يراه أحد الجيران أو حتي الذين يمرون بالصادفة حول الفيللا. تجول بهدوء طمأن نفسه أن من يراه قد يتصوره حارس السرايا, بحث عن الأشجار الكثيرة ربما كان فيها مايؤكل, بلح أو جوافة أو توت, قد يفاجئه زمانه بشجرة مانجو أو شجرة موز في الحديقة الخلفية للسرايا, أمامه نخلة هزها لم ينزل منها شيء. وهاهي توتة ليست ماثلة علي نهر تشرب منه ويسقيها يبدو أن الشجر الذي يطرح لايزرع الا في قريتهم. 10 ليست له خبرة سابقة في تفتيش قصر مثل هذا, راح وجاء, تمشي شرقا وغربا, قبل وبحر, بدأ الشك يساوره, خيل له أن المكان مسكون بأرواح هائمة تحميه, لم يجد أي شيء, اعتمد علي النظر والسمع والشم بعد أن أصبح متأكدا من خلو المكان مما يؤكل, وعملية البحث أوصلت إحساسه بالجوع لحد أن مد يده وأمسك بطنه وسندها. خلال مشيه في الصالة شدت نظره ساعة كبيرة برقت في ذهنه فكرة, ساعة من ساعات, ما أكثر الساعات في هذا المكان, كأن سكان القصر لا عمل لهم سوي مراقبة الوقت, هل هناك روقان بال أكثر من هذا؟ لو أخذ ساعة من هذه الساعات ورهنها عند محل الساعات الذي شاهده قبل وصوله الي القصر؟ لن يلاحظ أحذ ذلك. أجمل ساعة رآها من وجهة نظره نفضها من التراب وأحضر جريدة قديمة ولف فيها الساعة وخرج, لم يفلح في فتح الباب, رفع قدمه فوق منطقة واطئة من السور وقفز. 11 اتجه الي محل الساعات وقف أمام الفترينة الخارجية, مدينة من الفتارين المنورة, وأنوارها ملعلطة نظر للداخل, ظل في موقفه يراقب الداخل حتي انصرفت آخر زبونة من المحل. دخل يمشي ببطء يقدم قدما ويؤخر أخري: أي خدمة؟! وضع الساعة علي المكتب ولم ينطق. قام الجالس خلف المكتب. لف حوله, فض ورق الجريدة, لم يلفت نظره قدمها, ولا اصفرار ورقها, أخذها للداخل بعد أن قال له: بعد إذنك. خرج وسأله: هل يريد إصلاحها أوشك أن يقول أن مايحتاجه البطن يحرم علي الساعة. قال إنه يريد رهنها. رهونات؟! هز رأسه موافقا. سمعه يقول: من يذكر الرهونات الآن؟ خرج من الداخل إنسان أكثر أهمية من الذي كان يجلس علي المكتب عندما سمع كلمة الرهن أشار لمصري وقال إنه واحد مثل أهل الكهف. امر واحد عرضه عليه: البيع. ساله: بكم؟! تشاورا معا..فتح أحدهما خزينة مجاورة للمكتب وأخرج ورقة بمائة جنيه وأعطاها له. سمع أحدهما يقول للآخر كلمة واحدة: أثرية 12 والآن ماذا هو فاعل بالمائة جنيه؟ حسب وتعب وحسب, داهمته رائحة الشواء الخارجة من محل الحاتي أخذته الرائحة للدخال, وقف في مدخل المحل سألوه ماذا يريد ؟ مد يده بالورق المالية, أخذتها يد منه وبعد قليل أعطوه لفة, سالهم عن الباقي. قالوا له ما معه بالمبلغ الذي كان معه. 13 أمام باب الفيللا, فرش الورقة علي الأرض, جلس يأكل, هلت عليه القطط كأنها خرجت من تحت الأرض إن توفرت معه عظمة سيرميها لهم وقد تتعارك القطط أمامه ويشغل نفسه بمراقبة عراكها نظر للورقة المفرودة علي الأرض لم يبق سوي نصف الكمية, شعر بعطش خارق, احتار ماذا سيفعل, لم تعد معه أموال لشراء مياه. والمياه مقطوعة عن الفيللا, قد يعيدها صباحا, وان ترك الورق وبحث عن مياه ربما يعود ليجد أن القطط أكلت اللحم والورق. بينما كان يفكر, رأي أقداما تقترب منه, توقف عن المضغ, وقفت اللقمة في زوره. المزيد من مقالات يوسف القعيد