هذا العنوان يشير في الموروث المصري إلي البحث دون جدوي في كل مكان عن شيء أو شخص, وامتلأ عرض مسرحي يحمل ذات الاسم علي خشبة مسرح الطليعة بنفس معني الحيرة, حين أصابت أحد المحققين عن القاتل في حادث سقوط( جساس) رأس النظام الإداري والاجتماعي في قريته قتيلا.. ومبعث الحيرة عند المحقق جاء من أن أهالي القرية علي اختلاف مشاربهم أعلنوا مسئوليتهم عن اغتياله إلا البصاص الذي جمل نفس الاسم فهمم علي أن هجرس ابن زوجة الطاغية هو القاتل, فيما أصرت أخت هجرس مرة وأمه جليلة المعلنتان كذلك مسئوليتهما عن القتل علي أنه مات طفلا منذ عشرين عاما.. وظل اسم هجرس يروح ويجيء في العرض المسرحي كطيف يطارده البصاص ويحرض عليه, وكلمة يحميها الجميع بادعاء موته في طفولته, أو بتأكيد مسئولية آخرين عن مقتل الديكتاتور( جساس).. وفي مستوي آخر من ذلك العرض كان المحقق يعيش وقائع أزمته الشخصية الضاغطة والخانقة التي دفعته الي الانسلاخ من مجتمعه وقريته, وتركه الخسيس لحبيبته وإطاحته حبه الي أبعد بعيد, والسعي الي ارتقاء اجتماعي زائف عبر الزواج من( سوزي), والارتباط بأفكار وسلوكيات وطريقة حياة أخري, ختامها استعداده للسفر في بعثة دراسية الي فرنسا كيما يعود فقيها دستوريا وخبيرا قانونيا ونجما سلطويا بازغا, وفي لحظة لقائه, أثناء التحقيق بالغازية التي كانت حبيبته( ألماظية), ومواجهته لنتاج ضعفه الكارثي, وجد المحقق نفسه في لحظة تمزق كبيرة, زادها عمقا واتساعا, اعتراض سلطات الأمن علي سفره للبعثة بسبب تقرير قديم, فسقط من تحليقه خلف نداء نداهة التطلع, وغواية الخيانة الاجتماعية والعاطفية والتاريخية, وخلع قميصه كاشفا عن صديري الفلاحين من تحته, معلنا مسئوليته عن قتل( جساس), وشارك في الثورة التي نادي أفرادها علي العيش والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية. هذا بتلخيص وإيجاز هو جسم العرض الذي ألفه رأفت الدويري عام1973 بعنوان( المحقق الذي يفقد عقله ليسترجع ظله) وأخرجه برؤي مختلفة عدد من المخرجين, وآخرها كانت تلك الصيغة المحدثة المرتبطة بالسياق السياسي الذي نعيشه, والبالغة الأحكام, عميقة الإسقاطات, التي أمعن تركيبها وإعادة صوغها المخرج اميل شوقي تحت عنوان( سلقط في ملقط) مستعيدنا الي زمن المسرح الحقيقي الذي كان ذلك المخرج جزءا من حركته باستمرار, ومن دون إسراف تعبير فإن كوكبة المؤدين المشخصين في هذا العمل كانوا جميعا نداء علي الدولة ان تستعيد مسرحها وتؤمن من جديد بوسيط التعبير الأهم في ساحة الثقافة وترعي مواهبها المجاهدة الذين علي حد قول ابن عربي يمشون علي الأرض وهم شهداء. المزيد من أعمدة د. عمرو عبد السميع