علي أعتاب قمة جبل الجليد التي تفصل بين عام مضي وآخر قادم بأهازيجه المفرحة تتعانق لحظة قد تكون نهاية ودموعا, أو تكون ولادة مصحوبة بالفرح, وفي كلا الحالتين يبدو العناق حميميا بين أحداث رحلت وبقي أثرها, ووجوه تولد من جديد. يرحل عام ويأتي آخر بدلا منه, وتتغير الأرقام ولكن السنوات تظل تراوح مكانها وتتبدل الأحوال في عالم الغناء بشكل دراماتيكي حيث يتمني الإنسان شيئا جميلا ورائعا في كل مرة, لكن لا الحلم يتحقق ولا الأماني تصبح واقعا, كل ما في الأمر أن الرقم هو الذي يتغير فقط, ومن هنا نستطيع القول بأن القلق والتوتر سيطرا علي أجواء الغناء في2012, حيث كانت كلمة' الأزمة'هي الأكثر تداولا سواء في الكواليس والجلسات الخاصة أو في التجمعات الفنية. أوجه الأزمة وأسباب القلق والتوتر ظلت تضرب بجذورها في كل اتجاه, حتي كادت كلمات الأمل تختفي, وتضيع أمام صرخات اليأس, فأصحاب وجه النظر المتشائمة يعتمدون علي الأرقام التي تقول إن سوق الكاسيت في إنهيارتام بسبب الأحداث السياسية الملتهبة, و قرصنة الغناء علي الأنترنت في السنوات الأخيرة,- وقد بح صوتنا في المطالبة بتدخل وزارة الإتصالات لحماية هذه الصناعة من الانهيار, لكن لا حياة لمن تنادي-, بينما أصحاب النظرة المتفائلة لسان حالهم يقول أن الأرقام لا تنبيء عن الحقيقة كاملة, ذلك لأنها تشير إلي الاتجاه الكمي للأغاني دون الالتفات لقيمتها الموضوعية والفنية, أوبعبارة أوضح: يلاحظ المتابع لأحوال الغناء في سنوات ما قبل القرصنة أنه كانت تطرح أكثر من300 ألبوم في العام, لكن كان أغلبها سيئا أومليئا بالإسفاف, فكلما زاد عدد الألبومات زاد تواضع أثرها وزاد ضعفها وقل شأنها, ولا تعني هذه الملاحظة أنها قانون صارم جامع ومانع, فمن الممكن أن يكون عدد الألبومات التي طرحت كبيرا ويكون مستواها بشكل عام جيدا, والعكس صحيح, لكن هذا ما كان يحدث للأسف في الماضي حيث كانت حصيلة العام كبيرة والقليل منها فقط هو الجيد. ومرة أخري يلتقط طرف الخيط أصحاب وجهة النظر المتشائمة حيث يقولون: كانت الصناعة' شغالة'بصورة رائعة, والكل يعمل بداية من المطربين مرورا بكل الشعراء والملحنين والموزعين حتي العمال والموظفين في شركات الكاسيت. وبعيدا عن وجهتي النظر في هذه القضية الشائكة التي نتمني مع بداية حلول عام2013 أن يضعها المسئولون نصب أعينهم ليجدوا لها حلا, نجد أنه طرح في53,2012 ألبوما بزيادة حوالي13 ألبوما عن2011, وهوعدد معقول في ظل الأوضاع السياسية غير المستقرة, سواء في مصر أو بعض الدول العربية, فلا يخفي علي أحد ماحدث من جرائم قتل وسلب وبلطجة, خاصة بعد صدور الإعلان الدستوري, حيث افتتح الموسم الغنائي المطرب الجميل' مدحت صالح' من خلال ألبوم بعنوان' يديك ويدينا', والذي عاد من خلاله إلي سابق عهده في الغناء بصوت ملئ بالإحساس والدفء, وتميزت أغنيات الألبوم بالرومانسية خاصة في أغنيات' زي العادة- هي واحدة- مجنون بيها- مبقتش عايش- يديك ويدينا', وفي نفس الفترة تقريبا طرحت شيرين عبدالوهاب ألبومها الثالث والأخير' إسأل عليا' مع الشركة التي كانت تتعاون معها في الثلاث سنوات الأخيرة, وجاء الألبوم متميزا يناقش موضوعات إجتماعية بسلاسة وخفة ظل, وتفوقت شيرين في أغنيات' أعصابه تلاجة- واحدة بواحدة- مسئولة منك- إسأل عليا'. وتوالي صدور الألبومات حتي جاء الحدث الفني الهام حيث طرح' الكينج' محمد منير في شهر أبريل ألبومه المتميز جدا' يا أهل العرب والطرب' بعد غياب حوالي خمس سنوات عن سوق الكاسيت, وحققت كل أغنيات الألبوم نجاحا كبيرا, ووضع الشباب أغنية' قلبي ما يشبهنيش' التي تتميزبالرومانسية كنغمة علي هواتفهم المحمولة, وبعد منير بأسابيع قليلة طرحت الرائعة ماجدة الرومي بألبومها' غزل' بعد غياب أيضا دام حوالي ست سنوات, وكان مفاجأة سوق الكاسيت, نظرا لجمال اختياراتها, حيث جاء شديد التنوع والثراء الفني من حيث الكلمات والألحان والتوزيع, ومكسبا حقيقيا لكل المستمعين, وأنقذ سوق الكاسيت مع ألبوم منير من الإفلاس الفني. ومع دخول الموسم الصيفي طرحت إليسا ألبومها' أسعد واحدة' الذي جاء أقل من المتوقع, لهذا لم يصادف النجاح الذي تعودت عليه, وبالتالي شنت هجوما واسعا علي المسئولين في الشركة المنتجة واتهمتهم بعدم عمل الدعاية اللازمة, والحقيقة أن الشركة فعلت ما عليها لكن اختيارات المطربة لم تكن علي مستوي ألبوماتها السابقة, كما كررت نفسها في كثير من الأغنيات, لهذا لم يردد الجمهور كما تعودت إليسا, لكن هذا لا يمنع أنه هناك حوالي ثلاث أو أربع أغنيات علي مستوي عال من الجمال وقوة الأفكار منها' ساعات- روحتله- تعبت منك- هيلف ويرجعلي', وإذا كانت إليسا قد نجحت بماضيها الغنائي فنفس الأمر حدث مع أصالة التي طرحت ألبومها' شخصية عنيدة' ورغم النجاح الذي حققه الألبوم علي مواقع تحميل الأغاني, إلا أن إختياراتها في معظمه لا يليق بمطربة في حجم وقوة صوت أصالة, ومن بين كل أغنيات الألبوم ستعيش أغنيات' شخصية عنيدة- بناء علي رغباتك- سابني', وطرحت رولا سعد ألبومها' رولا تغني صباح' ولم يشعر به أحد. تامر وساموزين وحماقي بهدوء ودون صخب أو ضجيج الذي اعتدنا عليه طرح تامر حسني آخر ألبوماته مع المنتج محسن جابر الذي تضمن مجموعة أغانيه في الجزء الثالث من فيلم' عمر وسلمي', كما قدم أغنية مع المطرب الأميركي' شاغي', وقد وضع الأغاني علي أسطوانتين وضمهما في غلافين منفصليين, ومر الألبومان مرور الكرام ولم يحققا أي نجاح يذكر, وبعد طرح هذين الألبومين عاد تامر حسني إلي التعاون مع مكتشفه المنتج نصر محروس, ورغم الدعاية الضخمة التي صاحبت ألبوم' الورده الحمرا' للمطرب السوري ساموزين, وعلي العكس جاءت' الورده الحمرا' وردة سوداء ذابلة لم تحقق أي رواج لصاحبها! ومع نهاية فصل الصيف طرح المطرب محمد حماقي ألبومه الجميل' من قلبي بغني' الذي أنعش سوق الكاسيت وعمل رواجا كبيرا, رغم أن الألبوم باكورة إنتاج الشركة المنتجة التي يتعاون معها المطرب الشاب لأول مرة, وجاءت أغنيات الألبوم متنوعة مبين' الهوس والهيب هوب والبوب والديسكو',وحاول حماقي التغلب علي ركود سوق الكاسيت بإعلانه عن مكافأة لمن يشتري النسخة الأصلية من ألبومه بإعطائه تذكرة لدخول كل حفلاته مجانا. الحجار غير شكل الأغنية الوطنية يعتبر علي الحجار هو المطرب الوحيد الذي استطاع التواجد بقوة هذا العام من خلال ألبومين الأول وطني بعنوان' ضحكة وطن' الذي جاءت كلماته وألحانه لتغير مفهومنا عن الأغنية الوطنية, فلا يوجد زعيق ولا صراخ ولاعويل ولا هتافات أو' طنطة', وقدم من خلال هذا الألبوم باقة ورد عبارة عن أغنيات تتحدث عن بعض شهداء ثورة25 يناير, كما قدم الحجار أيضا ألبوما دينيا بعنوان' الملك لك' تتضمن24 دعاء وأغنية. سقوط مدو لهيفاء وأبوالليف ومن المفارقات الغريبة التي حدثت في سوق الكاسيت ولابد من التوقف أمامها ذلك السقوط المدوي لظاهرة' أبوالليف' الذي طرح ألبومه' في النور يا أمور' وحقق فشلا ذريعا, لدرجة أن نسبة تحميله والاستماع إليه لم تتعد175 ألف مستمع!, في حين حقق ألبومه الأول نسبة استماع وتحميل وصلت إلي ثلاثة ملايين ونصف في موقع واحد فقط!, نفس الأمر حدث مع الجميلة' هيفاء وهبي' التي لم تستطع بفتنتها ولاأنوثتها الطاغية إنقاذ ألبومها' ملكة جمال الكون' من السقوط المدوي, رغم جمال الألحان والتوزيع الذي أبدعه هادي شراره. ظاهرة غنائية منذ بدأت شركات إنتاج الكاسيت تعاني كسادا في السوق, بدأ المطربون يلجأون إلي إصدار أغان منفردة تجعلهم قادرين علي التمهل في إصدار ألبوماتهم الجديدة علي فترات متباعدة, ومع استقرار الأوضاع السياسية- إلي حد ما- في شهر مارس الماضي, طرح عدد من المطربيين مجموعة من الأغاني' السنجل' حققت رواجا ونجاحا لدي الجمهوروقت طرحها سواء ككليبات أو أغان عبر أثيرإذاعات الأغاني المتخصصة, من هذه الأغاني دويتو' مش فاكر ليك' غناء أصالة ورامي صبري,' ما تحكي' لوائل كافوري,' وتعودت' كارول سماحه,' غمرني تعيش' رامي عياش,' يا طير' عاصي الحلاني,' إسمي أنس' وائل جسار. المطربون علي كراسي المذيعين ولم تقتصر حيل المطربين علي الأغنيات السنجل للتواجد وأكل العيش بعد إنهيار صناعة الكاسيت في السنوات الأخيرة, وتقلص عدد الحفلات والمهرجانات الغنائية, ففي عام2012' قلبوا عيشهم' واحترفوا مهنة جديدة عليهم, هذه المهنة هي تقديم البرامج, حيث لاحظنا خلال العام اختراقا قويا, وهجوما علي معظم القنوات التلفزيونية, ليصبح تبادل الكراسي بين النجم والمذيع هو السمة السائدة, فقد أفردت كثير من القنوات الفضائية مساحات واسعة للمطربين للإبداع من خلال برامجهم, وقد أصبحت ظاهرة تحول المطربين الي مذيعين من الظواهر التي يجب أن ينظر اليها بعين الاعتبار لتأثيراتها الواضحة في الاعلام كمهنة, من هؤلاء أصالة التي تقدم برنامج' صولو', لطيفة' يلا نغني', رولا سعد' رولا شو', أحلام وراغب علامة والموزع حسن الشافعي'عرب أيدول', ومايا دياب' هيك منغني',ومني عبدالغني في' الستات مايعرفوش يكدبوا', وكاظم الساهر وعاصي الحلاني وصابر الرباعي وشيرين عبدالوهاب في'Thevoice', بعضهم كان وجودهم باهتا,ولم يحققوا أي نجاح يذكر في تجربة التقديم, والبعض الآخر كان جديرا بهذه الطلة, وقدموا أنفسهم بشكل مختلف. أزهار الأمل مضت سنوات طويلة ونحن ننتظر الصوت المصري الجميل القادر علي إنقاذنا في زحمة الأصوات الخانقة المتصنعة وأصحابها كثيرون ممن يدعون الغناء والطرب, ويبدو أن انتظارنا لم يكن عبثا, فها هي بقعة ضوء تلمع في الظلمة وتدفع بأزهار الأمل ممثلة في الشابة الصغيرة' كارمن سليمان' التي فازت في برنامج' عرب ايدل', و'نسمة محجوب' التي فازت أيضا في برنامج ستار أكاديمي, و'محمد محسن' الذي طرح ألبومه الأول' اللف في شوارعك', و'فيروز كراوية' التي طرحت ألبومها الأول المتميز جدا, والذي يحمل نوعا خاصا جدا من الغناء وحمل عنوان' بره مني', كما طرحت المطربة الرائعة التي استمع الجمهور إلي صوتها لأول مرة من خلال مسلسل' أسمهان' وعد البحري ألبومها الأول' أغير حياتي', والحقيقة أن هذه الأصوات الخمس أكثر من رائعة وأعطتنا أمل في بكره وفي الغناء المصري والعربي إذا أضفنا عليهم صوت المطرب المغربي المتمكن' مراد بوريقي' الذي توج في نهايات برنامج'Thevoice' أحلي صوت. كما شهد العام ظهور10 اصوات جديدة آخري. وطنيات ملونة بالثورة مع بداية العام وتواكبا مع احتفالات الشعب المصري بأعياد ثورة25 ينايرطرح عدد من المطربين أغنيات وطنية, كان أولهم مدحت صالح الذي طرح أغنية سينجل بعنوان' يا اللي صابرة ع المصاعب' كلمات وائل الغرياني, وألحان أشرف سالم, كما طرح فريق' كاريوكي' أغنية بعنوان' اثبت مكانك' كلمات أمير عيد, ألحان كاريوكي,مهداة إلي كل شهداء ومصابي الثورة, وكل من ثبت علي موقفه ولم يبال باتهامات التخوين,بينما طرح البعض الآخر من المطربين ألبومات وطنية كاملة يأتي في مقدمتهم' رامي عصام' والذي طرح أول ألبوماته الغنائية بعنوان' منشورات' يوم25 يناير, وتضمن20 أغنية, كما طرح عزيز الشافعي ألبومه' راجع' تزامنا مع ذكري الثورة الأولي, ومع ازدياد الموقف اشتعالا بعد الإعلان الدستوري طرح عدد من المطربين أغنيات وطنية تندد بما حدث مثل هاني عادل, وأحمد مصطفي, اللذين طرحا أغنية بعنوان' السيد فخامة الرئيس', رسالة موجهة للرئيس محمد مرسي من أجل حقوق الشهداء, كما طرحت آمال ماهرأغنية بعنوان' يا مصريين', كلمات تامر حسين,ألحان عمرو مصطفي,وتحت عنوان' إنتي دولة, مش تكية ومش مقاولة' طرح عزيز الشافعي مؤخرا أغنية من كلماته وألحانه وتوزيع وسام عبد المنعم, كما قدم الملحن الشاب محمد رحيم أغنية' كل الأطراف المعنية.' الرحيل وإذا كنا قد خرجنا من أيام عام2012 بمجموعة من الأصوات الرائعة والمبشرة من الشباب فإننا في المقابل خسرنا هرمين كبيرين هما: أميرة الغناء العربي المطربة الكبيرة وردة, والعبقري' غواص بحر النغم' عمار الشريعي, وكان رحيلهما في فترة زمنية متقاربة حيث رحلت ورده في شهر مايو الماضي, ورحل الشريعي في بداية شهر ديسمبر الجاري كما رحل الموسيقار محمد نوح.