للمرة الأولي في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية الممتدة لأكثر من قرن ونصف, يجمع مجلس برلماني بين صفتين تعكسان دلالتين مختلفتين وإن كانتا متكاملتين. أولهما: الصفة الثورية والتي اكتسبها نتيجة أنه أول مجلس شوري يتم تشكيله عقب ثورة سلمية أطاحت بنظام ديكتاتوري جعل من الشوري أمرا شكليا وديكورا مجتمعيا بعيدا عن مضمونها الحقيقي ودورها الفعلي في بناء المجتمعات. وثانيهما: الصفة الدستورية والتي اكتسبها عبر الاستفتاء الشعبي علي دستور الثورة بما تضمنه من مواد أرست لدعائم دولة القانون, حيث نصت مواده علي الإبقاء علي مجلس الشوري بتشكيله الحالي ليتولي سلطة التشريع كاملا لحين انعقاد مجلس النواب الجديد( مادة230), بالإضافة الي سلطاته التشريعية والرقابية الموكولة إليه في هذا الدستور. وتكشف القراءة المتأنية لواقع مجلس الشوري الجديد عن ثلاث ملاحظات جديرة بالتسجيل علي النحو التالي: أولا: يتميز مجلس الشوري بتركيبته الانتخابية الحالية مضافا إليه من تم تعيينهم بمقتضي السلطة الممنوحة لرئيس الجمهورية في ظل الإعلان الدستوري المستفتي عليه في مارس2011, بأنه يشكل تنوعا فكريا وثقافيا واجتماعيا وأيديولوجيا مهما, بما يضيف إلي مناقشاته وتقاريره مزيدا من التجويد, فقد أثبت مجلس الشوري رغم محدودية السلطات الممنوحة له ورغم الأحداث الجسام التي عاشتها مصر خلال الفترة الماضية- أنه علي قدر المسئولية بما طرحه من قضايا وما أثاره من مناقشات وما قدمه من رؤي ومقترحات لاقت بعض الاستجابات لدي الحكومة لتسهم بدورها في حل الكثير من مشكلات المواطنين وقضاياهم والانتقال بالوطن إلي مرحلة استكمال بناء المؤسسات, وليس أدل علي ذلك من الجهد الكبير الذي قدمه المجلس الي الجمعية التأسيسية التي تحملت المسئولية بكل كفاءة واقتدار لإخراج هذا الدستور الذي يعد نقطة تحول مهمة في تاريخ مصر الدستوري. ثانيا: استكمالا لتحمل المسئولية في ظل الأوضاع المتوترة التي ما زالت تعيشها مصر بسبب مواقف بعض قوي المعارضة التي تأبي أن تري في المشهد الراهن بصيص نور من نهاية النفق نسعي جميعا للوصول إليه, يتعهد أعضاء مجلس الشوري بأن يقدموا خلال الفترة القادمة كل جهودهم وطاقاتهم من أجل تصحيح المسار والمساهمة في استكمال بناء مؤسسات الدولة. ولذا, أري أن المسئولية الأولي الآن علي عاتق مجلس الشوري الإسراع بالنظر في التشريعات المنظمة للحياة السياسية في ضوء ما ورد في الدستور الجديد, وفي مقدمتها قانون مباشرة الحقوق السياسية, وقانون مجلسي النواب والشوري, فضلا عن اللوائح الداخلية المنظمة لعمل المجلسين. ثالثا: علي المجلس ألا ينشغل بدوره التشريعي المؤقت لحين انعقاد مجلسي النواب عن ممارسة مهامه الرقابية, فصحيح أن الدستور الجديد لم يعطه دورا رقابيا مختلفا عما كان يمارسه في ظل الدستور القديم, حيث اقتصرت أدواته الرقابية علي( طلب المناقشة- اقتراح برغبة), إلا أنه يمتلك دورا رقابيا غير مباشر لا يقل أهمية عن الدور الرقابي الذي يمارسه مجلس النواب, والمتمثل في موافقته علي تعيين رئيس الجمهورية لرؤساء الهيئات المستقلة( المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد- الجهاز المركزي للمحاسبات- البنك المركزي- المجلس الاقتصادي والاجتماعي- المفوضية الوطنية للانتخابات), وكذلك رؤساء الاجهزة الرقابية( الهيئة العليا لشئون الوقف- الهيئة العليا لحفظ التراث- المجلس الوطني للتعليم والبحث العلمي- الهيئات المستقلة للصحافة والإعلام), ولا يقتصر الأمر علي التعيين فحسب, بل يحظر عزلهم إلا بموافقة أغلبية أعضاء المجلس( مادة202), وهو ما يرتب في كنف المجلس مسئولية الإسراع بوضع تشريع يحدد الشروط والضوابط فيمن يتولي هذه المناصب, وكذلك الآليات التي يتم علي أساسها اختيارهم بما يضمن اختيار الاكفأ من ناحية, ويضمن استقلالهم وحمايتهم لأداء مهامهم بكل حياد وموضوعية دون ترهيب أو ترغيب, علي غرار التجربة الناجحة التي قام بها المجلس في اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية حينما كانت إحدي مسئوليات المجلس في المرحلة السابقة. جملة القول, لم يعد من المجدي الحديث الذي يتناقله البعض عن جدوي وجود مجلس الشوري ودوره في الحياة السياسية, فصحيح أنه كان بمثابة ديكور في عهد النظام السابق, إلا أنه خلال الفترة الماضية أكد للجميع بقيادته وأعضائه أنه قادر علي تحمل عبء المسئولية بما يجعل الحديث عن إلغائه هراء. المزيد من مقالات عماد المهدى