لم يتمكن أحد من إغرائه بالمال الحرام, لكونه صاحب ضمير حي, وقلب يخشي حساب الله في الآخرة, لهذا كان عبدالونيس مدير إدارة تموين الدلنجات شديد الحزم في ضبط المخالفات التموينية, فحاز احترام وحب الجميع. إلا سائقه الذي زين له الشيطان طريق الهاوية, وتمكن من خداعه بإبلاغ بعض أصحاب المخابز ومحطات الوقود بمواعيد الحملات التموينية المفاجئة نظير حصوله علي مبالغ مالية منهم, ولما اكتشف عبد الونيس الأمر قام بإنهاء ندبه ونقله إلي مجلس المدينة, غير أن السائق انتقم منه بأن قام بمعاونة4 من أقاربه بنصب كمين له وتهشيم رأسه أمام مكتب التموين في وضح النهار وسط ذهول المارة وأهالي المدينة. تشهد محطات ومخابز مدينة الدلنجات أن عبد الونيس بسيوني قويدر(57سنة) الذي انتقل قبل أشهرقليلة من إدارة تموين إيتاي البارود, قد شن العديد من الحملات التموينية, بالليل والنهار ونجح في ضبط الكثير من مخالفات نقص أوزان رغيف العيش, والاتجار في الدقيق المدعم, وتهريب السولار والبنزين إلي السوق السوداء خلال أوقات الأزمات فكان شعلة من النشاط رغم تقدم السن به, لا يصيبه الكسل أو داء التراخي في العمل, وبقدر ما مكان شديد الحزم, لم تكن علاقة عبد الونيس بسائقه شريف علاقة رسمية تحكمها خطوط السير وقرارات وتعليمات العمل, بل كان ودودا طيب القلب معه, يعامله كأخيه الصغير يتقاسم معه رغيف الخبز في إفطار الصباح بالعمل, ويتبادل معه الضحكات, والنكات. كان السائق يراهن علي زوال شدة الغربال الجديد لمديره, وأنه تدريجيا سيتغاضي عن المخالفات و سيتمكن من قبض زالمعلومس من بعض أصحاب المحال والمخابز ومحطات الوقود, لكن ظنه باء بالفشل, واستمرت الحملات الليلية المفاجئة, وتواصل ضبط المخالفات وتحرير المحاضر التموينية وتوقيع الغرامات,وعليه قاده تفكيره الشيطاني إلي استغلال الأمر لصالحه, بأن بات يبث الخوف في قلوب بعض أصحاب المخابز ومحطات الوقود من المدير, ويطلب منهم مبالغ مالية نظير إبلاغهم بمواعيد الحملات, ونجح مخططه الذي حاك الشيطان خيوطه, وتدريجيا ظهر الثراء علي سائق المدير, وفاحت رائحته وسط العاملين, ووصل الأمر إلي مدير الإدارة الذي تأكد من صحة الوقائع فأنهي ندبه وقرر عودته علي الفور إلي عمله بمجلس المدينة. وصباح يوم الجريمة, وأثناء إنهائه لإجراءات النقل, حاول السائق بأن يصور لزملائه أنه قد سوي خلافه مع المدير وأنه قد تقبل الوضع ليبعد أيه شبهات عن نفسه وليثبت للجميع أنه لا علاقه له بالجريمة, وفي أثناء ذلك تلقي عبدالونيس اتصالا هاتفيا غادر في أعقابه المكتب وما هي إلا لحظات حتي سمع العاملون صوت صراخ النسوة في الشارع علي مشهد رؤيتهم للمجني علية مهشم الرأس مضرجا في دمائه وسط الشارع.وفور تلقي اللواء محمد حبيب مدير الأمن بلاغا بالحادث, أمر بتشكيل فريق بحث قاده العميد محمد الخليصي مدير المباحث الجنائية, والعقيد محمد الجويلي مأمور مركز الدلنجات والرائد السيد المرازقي نائب المأمور والنقيب حازم خيري عبادة رئيس المباحث, وبالتحري تبين أن المجني عليه تلقي إتصالا هاتفيا من زميل له يخبره بوجود مخالفات في أحد مخازن الدقيق, فسارع عبدالونيس كعادته إلي مغادرة مقر عمله متوجها إلي مخزن الدقيق, وما إن تحرك أمتارا قليلة حتي قام4 أشخاص ملثمين بالنزول من توك توك ثم انهالوا عليه ضربا بالعصي وبالآلات الحادة علي رأسه حتي أصيب بتهشم بالرأس ونزيف داخلي, ولم يتركوه حتي لفظ أنفاسه أمام المارة مضرجا في دمائه وسط ذهول الأهالي الذين أدلوا بمواصفات التوك التوك الذي لاذ الجناة بالفرار داخله لتكتشف المباحث أن الجناة هم سائق وعاطل ومزارع ومجند جميعهم من أقارب السائق وأنهم عقدوا العزم وبيتوا النية علي الإنتقام من المجني عليه وكانوا بخارج المكتب ينتظرون خروجه لتنفيذ مخططهم, فور تلقيهم مكالمة هاتفية من السائق. وداخل عزبة قويدر حيث تقطن أسرة مدير إدارة تموين الدلنجات, قال الحاج حمادة قويدر55سنة ابن عم المجني عليه, ان بسيوني أب لولدين محمود الطالب بالفرقة الثانية في كلية الحقوق, وعمر الطالب بالصف الثاني الثانوي والذي يحتاج إلي من يأخذ بيده عبر دروب الحياة الشائكة بعد رحيل والده, ويؤكد أن الأسرة تحتسب المجني عليه, شهيدا عند الله, حيث تم الاعتداء عليه وهو في طريقه لأداء عمله من أجل أن يصل رغيف الخبز للغلابة من الشعب وحتي لا يباع كعلف للماشية, لهذا يستحق لقب شهيد الضمير ويوضح أن المجني عليه كان طاهر اليد واستحق الشهادة. وأشار إلي الموكب الجنائزي المهيب الذي شارك فيه أكثر من15 ألف شخص من أهالي قري جزيرة عيسي, المقرحي والأوقاف, وحبكة, والوكيل, و كوم زمران وجميع القري المجاورة لتشييع جثمان الشهيد إلي مثواه الأخير. ويؤكد أن المجني عليه في ذروة أزمات إسطوانات البوتاجاز, كان يقف بنفسه علي العربه ويشرف علي أعمال توزيع الإسطوانات علي المواطنين حتي لا يتم الاتجار فيها, ولازلت أذكر كيف رفض طلبي بتغيير إسطوانتين فارغتين, فقالسواحدة تكفي من أجل حصول غيرك. أما محمود الابن الأكبر للشهيد فيقول: والدي كان مخلصا في عمله, وكان يغادر المنزل في أوقات الليل المتأخرة حتي يقوم بجولة علي أصحاب المخابز ليتأكد من قيامهم بتوصيل حصة الدقيق كاملة للمواطنين من خلال الخبز. ويؤكد أن نبأ وفاته نزل علي الأسرة كالصاعقة, خاصة أن الجاني كان يعامله والدي كشقيقه الأصغر, ولم يخطر ببالنا أن يتحول الإحسان إلي نكران للجميل, وأن تتبدل لقمة العيش إلي سكين للغدر والقتل. ويضيف أن شقيقه عمر ووالدته وجميع أفراد الأسرة يشعرون بالأسي والحزن الشديد لهذه الجريمة النكراء, وأن نيران الأسرة لن تهدأ إلا بالقصاص العادل من قاتليه.