ونحن خارجون للتو من إجازة عيد الأضحي المبارك, وما تخللها من لحظات هدوء وتأمل... أرجو أن يكون ذلك فرصة لمراجعة الكثير من أوراق الوطن في هذه المرحلة الحساسة والحرجة. الكل للأسف الشديد وبمنتهي حسن النية, يريد تقطيع الوطن ولا يري إلا نفسه ومنطقه وارادته, ويتعامي عن رؤية الآخر, وعن تفهم منطقه, مثلما كان يحدث في السابق بالضبط حينما كان النظام الحاكم يري ويؤمن بأنه يعمل للصالح العام, وأنه أدري بالمصلحة العامة أكثر من الشعب, وأن الشعب لا يعلم مصلحة نفسه, وظل هذا الوضع قائما حتي قامت ثورة يناير والنظام الحاكم غير مصدق أنها ثورة من الأساس. الآن تغير الوضع وتغيرت الخريطة والتركيبة السياسية في مصر تماما, وأصبح هناك تيار الإسلام السياسي بكل مكوناته( الاخوان السلفيون الجماعات الإسلامية غيرها), في مواجهة تيار الدولة المدنية بكل مكوناته( الوفد الدستور التيار الشعبي الكتلة المؤتمر الوطني قوي اليسار التيار القومي والناصري غيرها). المشكلة أننا وقعنا في المأزق نفسه ولكن هذه المرة بحسن النية, حيث كان النظام السابق يفعلها عامدا متعمدا, أما الآن وأكرر بمنتهي حسن النية نقع في الخطيئة نفسها حينما يريد كل تيار اقصاء الآخر وعدم الاعتراف بحقه في الاختلاف, لأن كل طرف لا يري إلا نفسه ولا يري مصلحة الوطن إلا من خلال رؤيته هو.. أما الرؤي الأخري فلا يجب أن تكون ولابد من التضييق عليها ووأدها في مهدها, حتي يتم تفريغ الساحة من أي رأي مخالف بالحق أو بالباطل. هناك حالة من الاحتقان الآن لا ينكرها أحد ولابد من صيغة لعبور تلك المرحلة, وأعتقد أن مبادرة د. محمد مرسي التي حدثت خلال الأسبوع الماضي والجلوس مع بعض القوي الوطنية هي خطوة في الطريق الصحيح. صحيح أن هناك الكثير من الأحزاب والقوي السياسية لم تحضر الاجتماع, سواء بالمقاطعة أو نتيجة عدم دعوتها من الأصل, لكنها خطوة تحتاج الي استكمال منظم وأن تكون هناك خطوات أخري لاستكمال الحوار الوطني والاتفاق علي الخطوات الرئيسية لهذا الحوار, حتي وإن تتطلب الأمر عقد أكثر من جلسة, ودعوة كل المقاطعين أو من لم تتم دعوتهم للمشاركة والاتفاق علي مبدأ الدستور التوافقي. أعتقد أن هناك تيارات عديدة لا تمانع في الوصول إلي دستور توافقي, بما فيها جماعة وحزب الاخوان المسلمين, بالإضافة الي الوفد والمؤتمر الوطني والدستور والتيار الشعبي, وهي القوي الأكثر تأثيرا ونفوذا في الشارع الآن. البعض يريد تحويلها الي استعراض قوة, ومنها القوي المطالبة بمليونية الغد, وعلي هذه القوي إعادة النظر في موقفها من أجل المصلحة العامة, فالوطن لا يحتمل المزيد من التمزيق في هذه المرحلة, ولن تحل مشكلات مصر بالمليونيات والمليونيات المضادة, ولن تستطيع الجمعية التأسيسية إنجاز الدستور مادام حاول كل طرف فرض وجهة نظره, أو اقصاء الآخر. هناك للأسف الآن من القوي والتيارات السياسية من يريد الاستحواذ علي كل شيء, وتنفيذ رؤيته بكل حذافيرها, وترك الآخرين يتسلوا وعدم الالتفات لهم, وهذا هو مكمن الخطر علي الدولة المصرية الآن. الكلام عن الديمقراطية ليس شعارات وأمنيات, وانما أفعال, وألف باء الديمقراطية أن يتم إعداد دستور توافقي للجميع يرضي عنه الشعب المصري بكل أطيافه السياسية والحزبية والدينية ليكون ضمانة أساسية في ترسيخ الديمقراطية فعلا وقولا بعيدا عن لغة الإرهاب والتخوين والتصنيف. المليونيات والمليونيات المضادة لن تصنع دستورا يرضي عنه المصريون, وانما سوف تزيد حالة الاحتقان والتوتر داخل الجماعة المصرية, وعلي الرئيس محمد مرسي استكمال جلسات الحوار الوطني وتكثيفها خلال الأيام القليلة المقبلة للاتفاق علي الشكل النهائي للدستور, حتي وان اقتضي الأمر تأجيل المواد الخلافية, فالدستور ليس قرآنا وانما هو من صنع البشر يمكن تعديله فيما بعد. المهم صدق النيات, فالنيات الطيبة وحدها لا تكفي وانما لابد أن تكون هناك نيات صادقة وواضحة وشفافة ليتحقق حلم اقامة دولة مدنية عصرية ديمقراطية حديثة تتسع لكل المصريين, وتأخذ مكانها الذي تستحقه مع الدول الكبري, وتعود كما كانت قائدة لأمتها العربية والإسلامية ولقارتها الإفريقية. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة