كدنا نشعر بأن مصر قد ماتت أو علي الأقل قد تكلست شرايينها ولم يعد يشعر بها أحد.. فالاعتذارات قد توالت في المحافل الدولية.. وإنابة وزير الخارجية عن رئيس النظام السابق أصبحت عادة شبه مألوفة.. وظلت حالة لموات الدولي لمصر.. حتي جاء الرئيس مرسي فوضع ربما دون أن يدري مصر مجددا علي خريطة الأحداث الإقليمية والدولية. فأول زيارة قام بها إلي خارج مصر كانت للمملكة العربية السعودية فأرسي بها دعائم عربية كدنا ننساها.. وتعمد أن يلتقي بالجالية المصرية هناك لطمأنتهم من ناحية علي ما يدور في مصر من أحداث.. ولدعوتهم جميعا للاستثمار في مصر والمشاركة في التنمية التي تدور عجلتها في مصر بعد غياب طويل..ثم اتجه إلي إثيوبيا وشارك في قمة الاتحاد الإفريقي التي امتنعت مصر عنها منذ سنوات.. وعلي هامش القمة التقي قادة إفريقيا وبحث مشكلة النيل شريان الحياة الذي يأتي إلي مصر وبارك عمل الدبلوماسية الشعبية التي مهدت الطريق وتبين له عدم وجود مشكلات مع شعوب إفريقيا وأن مصر بحق تحتل مكانة في نفوس القادة الأفارقة وأنها أم الحضارات الإفريقية كما كان يصفها سنجور رئيس السنغال الأسبق.. واختار رئيس الجمهورية أن يمضي ثلاثة أيام في ربوع الصين ويوقع مع قادتها ثماني اتفاقات ويستعين بالخبرة الصينية دون حرج.. فالصين غزت العالم اقتصاديا.. وانكفأت علي ذاتها حتي قويت شوكتها الاقتصادية.. وهذا دليل قاطع علي أن الدكتور مرسي يعرف جيدا أن ما يحول دون انطلاق مصر هو الاقتصاد, وأن موطن ثورة الاقتصاد في العالم وهي الصين يجب أن تكون قبلتنا.. ثم ذهب إلي روما وبحث مع قادتها العلاقات الاقتصادية الدولية ولم ينس أنه يتعامل مع دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وأول دولة تطلب هجرة مصرية نوعية, ثم هي أكبر دولة أوروبية لها استثمارات في مصر ويفد منها سنويا أكبر عدد من السياح لزيارة آثار مصر.. والتقي هناك بعدد كبير من كبار المسئولين الذين سجلوا دهشتهم كأنه يعرف قدر الدول التي يزورها رغم حداثة منصبه. وهناك زيارات خارجية يقوم بها الرئيس مرسي إلي واشنطن لاحقا, وكذلك إلي البرازيل وإلي تركيا بدعوة من رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان.. وكلها زيارات تستهدف شقين.. الأول أن مصر لا تزال موجودة ومؤثرة, وصوتها مسموع في المحافل الدولية وهي تري أن الغائب دائما ليس علي حق, لذلك فهي تصر علي الوجود, والشيء الثاني أن هموم وطموحات الرجل المصري العادي يحملها الدكتور مرسي أني ذهب أو ارتحل, ولأن هذه الهموم اقتصادية بالأساس.. فهو يريد أن يرفع من شأن هذا الرجل من خلال ما يوقع من اتفاقات.. أما زيارته للجمعية العامة للأمم المتحدة, فلقد كانت حديث الساعة في العالم أجمع, فقد اشتاق العالم لأن يستمع إلي رؤي مصر بعد أن غابت أكثر من 23 عاما, والحق أن الدكتور مرسي قد تكلم بصراحة متناهية, وشفافية منقطعة النظير عن القضية الفلسطينية, والأزمة السورية, وإفريقيا, والسودان, والأزمة المالية العالمية.. بعبارة أخري. جعل مصر في قلب العالم كما كانت, لها رأي في كل القضايا الإقليمية والدولية, ففتح الرجل بذلك صفحة جديدة في العلاقات مع العالم بعد أن ظلت مصر بعيدة تري أن أمنها القومي يتحدد بحدودها فقط.. وهو ما ليس صحيحا علي كل حال.. زيارات مرسي الخارجية قد أعادت لمصر هيبتها بعد طول غياب وجعلت القاهرة محطة أساسية لكل راغب في أن يلج أبواب الشرق الأوسط من جديد. المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي