كم كان المشهد مهيباً، ومُبهجاً، فى آن معاً. آلاف الطلاب، وغيرهم، افترشوا الأرض فى الساحة المقابلة لجامعة همبولت العريقة، حيث قدمت فرقة ستاتيكابيلا برلين عرضاً موسيقياً رائعاً الأسبوع الماضى. عرفتُ، من صديق التقيته فى بداية زيارتى لحضور مؤتمر علمى، أن الفرقة المعروفة فى أوساط محبى الموسيقى فى العالم ستقدم هذا العرض. كانت المرة الأولى التى أحضر فيها عرضاً من هذا النوع فى الشارع. لكن نقل الفن الرفيع إلى الناس فى كل مكان شائع فى المجتمعات التى حققت تقدماً كبيراً. وكان هذا أحد أسباب تقدمها لأن الفن يرتقى بالإنسان، فيصير أفضل سواء فى أداء عمله، أو فى الإقامة مع الآخرين. ونقل الفن إلى الناس فى مواقعهم يتيح توسيع نطاق من يستمتعون به، ويستفيدون منه, فضلاً عن إتاحته لمن لا يستطيعون دفع ثمن مشاهدته فى المسارح. ويُقبل فنانون كبار على تقديم فنهم فى الشارع لأنهم يُقدِّرون مسئوليتهم الثقافية والاجتماعية. ولذا، لم يجد قائد أوركسترا عظيم مثل دانييل بارينبوم، والعازفة المبدعة الذائعة الصيت جيون لي، وزملائهما فى الفرقة العريقة، غضاضة فى تقديم العرض فى ساحة مفتوحة، وبلا مقابل رغم الطلب الواسع عليهم. أسعدنى الحظ، فشاهدت أخيراً الفنانة الرائعة جيون لى الكورية الأصل، التى تابعت صعودها السريع، إلى أن صارت واحدة من أبرز عازفات الكمان فى العالم. قدمت عرض السولو الذى تشتهر به، بمعاونة ستة عازفين وعازفات على آلات معظمها وترية مثلها فى ذلك آلة الكمان التى تعزف عليها. وإلى جانب آلة كمان ثانية، هناك ثلاث آلات أكبر منها، ولكنها من العائلة نفسها، وهى الفيولا، والتشيللو الأكبر والأسمك، ثم الكونترباس ذات الصوت الأكثر غلاظة فى هذه العائلة. وإلى جانب هذه الآلات الوترية الأربع، توجد آلة نفخ أبوا، وآلة إيقاع درامز. ولم يكن ممكناً أن أغادر المكان دون إلقاء نظرة على العناوين الإنجليزية فى معارض الكتب الصغيرة المقامة على هامش العرض، فلاحظت أن نسبة معتبرة منها فى الفلسفة والعلم الاجتماعى. ولم أستغرب ذلك فى جامعة درس بها كل من كارل ماركس وفردريك إنجلز, ثم ماكس ويبر. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد