أوروبا والولاياتالمتحدة اليوم غيرهما قبل عقدين فقط من الزمن. تراجعت النزعة الإنسانية، التى تراكمت مقوماتها منذ البدايات الأولى لعصر النهضة فى أوروبا. وانحسر خلال عقدين بعض ما تحقق على مدى ستة قرون. وهذا أمر مدهش بالتأكيد ولكن الهدم دائماً أسرع من البناء. ولم يعرف العالم منذ الحرب العالمية الثانية هدماً أكثر قسوة مما ترتب على الإرهاب، الذى أسهمت الولاياتالمتحدة فى دعمه خلال حرب أفغانستان الأولى. وكانت هجمات سبتمبر 2001 نقطة تحول أحدثت تغيرات فى العالم. وأهم ما حدث تغيير فيه هو النزعة الإنسانية، التى لم تكن كاملة بطبيعة الحال، ولا يمكن أن تكون إلا فى عالم مثالى افتراضى. ولكنها أسهمت فى بلسمة كثير من الآلام، وتضميد غير قليل من الجراح، على نحو يفتقده العالم الآن. وهذا بعض ما يمكن استخلاصه من قصة الطالبة الجزائرية حنان تاكجيراد التى تخرجت فى جامعة هارفارد قبل أيام. وقد روت هذه القصة فى كلمتها فى حفل التخرج، لأنها أرادت توجيه الانتباه إلى أن أشياء صغيرة جداً يفعلها الإنسان يمكن أن تحقق نتائج كبيرة للغاية. وعندما يكون الفعل الصغير نابعاً من ضمير إنسانى يقظ، يكون أثره أكبر. وهذا هو ما فعله رجل وأدى إلى تغيير حياة هذه الطالبة وأسرتها جذرياً. ولولاه، كما روت، لكان مصيرها إما البقاء فقيرة معدمة فى قرية جزائرية، وإما الموت خلال أحداث العشرية السوداء فى التسعينيات. لم يفعل هذا الرجل سوى مساعدة والدتها الأمية على تسجيل اسمها فى قائمة الراغبين فى الهجرة إلى فرنسا من المناطق المهددة بسبب أحداث العشرية السوداء. غير أن ما كان لهذا الرجل أن يقدم مساعدته إلا لأن أبواب أوروبا كانت مفتوحة حينذاك أمام من سعوا إلى الهجرة حين كانت حياتهم مهددة فى بلدانهم. فهذا الفعل الإنسانى صار محدوداً، بل نادراً وانتقائياً فى الأغلب الأعم، لأن التراجع الذى حدث منذ مطلع القرن الحالى ازداد بسبب تضخم أعداد الراغبين فى الهجرة، على نحو آثار خوف قطاعات متزايدة فى أوروبا وأمريكا لأسباب اقتصادية، فضلاً عن المخاوف الأمنية. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد