لن تجد مبررا مهنيا لقناة الجزيرة لأن تتعمد، منذ أشهر قليلة فقط، إنتاج ما تسميه فيلماً وثائقياً عن نكسة 67، بعد انقضاء أكثر من نصف القرن على وقوعها، وأن تبثه هذه الأيام، لأن الفيلم يخلو من أى إضافة موضوعية مما تتميز به الأعمال الوثائقية التى تلتزم بالتوثيق، حتى إنه لا يشير إلى تفسيرات جديدة للهزيمة، سواءً عن المسئولية السياسية لعبد الناصر، أو العسكرية لعبد الحكيم عامر، وإنما يعرض، مع شريط الصوت عن الهزيمة المروعة، لقطات من الحرب النفسية من الأرشيف الإسرائيلى، عن جنود مصريين لدى وقوعهم فى أسر الجيش الإسرائيلى، تكتسى ملامحهم بكل معانى الهزيمة من بؤس وانكسار وجوع وعطش..إلخ! فإذا كان هذا النوع من الأفلام لا يبغى وجه الله، فما الذى يدعو الجزيرة الآن إلى الإنفاق على هذا الفيلم وحصر مجاله ومداه فى ترسيخ معنى هزيمة بهذا الحجم، ودون إشارة إلى أن مصر اعترفت بها قبل غيرها، وعقدت محاكمات قضائية لبعض مسئوليها فى وقتها، ثم لم يتوقف الحوار العام فى مصر عن محاكمة أكبر السلطات عن دورهم فى الهزيمة؟ والسؤال المحورى: لماذا تدرج الجزيرة بث إذاعة هذا الفيلم هذه الأيام؟ ولا يُظَن أن تجريد الحدث من المسئولين عنه، مع إفساح الوقت لمثل هذه اللقطات، يُقصَد منه إعفاء القادة عن مسئوليتهم، لأن القلة منهم الباقين لا يملكون ضراً ولا نفعاً، وإنما القصد الإساءة بسذاجة إلى الشخصية الاعتبارية للجيش، التى لها وجود قبل النكسة وبعدها. فغرض الجزيرة أن تضرب فى الصورة التى يقدرها الشعب، بنشر إيحاءات قديمة بأمل أن يمتد أثرها السلبى على الجيش لمن يشاهدها هذه الأيام! فلماذا؟! وهل هناك سبب آخر غير التوحد مع موقف الإخوان ضد جيش مصر؟ فقد انتقلوا للنقيض، منذ استجاب الجيش لاستجارة الشعب وأطاح بحكمهم، فبعد أن قال رئيسهم إن رجال الجيش يُوزَنون بالذهب، طعن أحد قادتهم فى الحديث الشريف الذى كانوا يرددونه قبلاً بأن المصريين خير أجناد الأرض! واستشاطوا مع كل انتصار يحققه الجيش ضد الإرهاب! لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب