تجلَّت إنسانية النبي صلي الله عليه وسلم مع غير المسلمين يوم فتح مكة، وقد فعل أهلُها به وبأصحابِه ما فعلوا.. قال عمر: لما كان يوم الفتح ورسول الله بمكة أرسل إلى صفوان بن أمية، وإلى أبي سفيان بن حرب، وإلى الحارث بن هشام، قال عمر: فقلت لقد أمكنني الله منهم، لأعرفنهم بما صنعوا، حتى قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: “مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريبَ عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. قال عمر: فانفضحت حياءً من رسول الله صلي الله عليه وسلم من كراهية أن يكون بدَرَ مني، وقد قال لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ما قال! فعمر؛ كان يريد أن يأخذ بثأره منهم ويرد لهم الصاع ؛ وكان شاهراً سيفه ينتظر القرار بضرب أعناقهم واحداً تلو الآخر !! فهم الذين آذوهم وطردوهم من مكة؛ ولكن عفا صلى الله عليه وسلم عنهم ؛ وأظهر حلمه وإنسانيته تجاه أعدائه!.. ويوضح الدكتور عبدالغفار عبدالستار رئيس قسم الحديث بكلية الدراسات الاسلامية أن من معالم إنسانيته الرائعة صلي الله عليه وسلم، أنه رغم خلافه مع قومه وظلمهم له، وتعديهم عليه، وتآمرهم بالقتل والإبعاد والتحريض، إلا أنه لم يضق صدره بهم ذرعا،؛ بل كان يفتح يديه، ويبتهل إلى ربه قائلا: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ». «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». وكاد صلى الله عليه وسلم أن يهلك نفسه من الحسرة والألم وكثرة الفكر، وطول الهم، وبذل الجهد عله أن ينقذ حياتهم من الكفر وآخرتهم من النار، والقرآن يشير إلى ذلك بقوله: «فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً». ولم يكتف بذلك؛ بل من معالم إنسانيته أنه كان يزور مرضى غير المسلمين؛ فعَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) أَنَّ غُلاَمًا مِنَ الْيَهُودِ كَانَ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ. فَأَسْلَمَ فَقَامَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ بِى مِنَ النَّارِ».