بعد أن كانت الشوارع والميادين العامة هى أبرز ساحات الحملات الانتخابية التى تحاول فيها الأحزاب أن تقنع الناخبين ببرامجها وتحثهم على المشاركة والتصويت لها، تغير الوضع حاليا مع الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعى واكتسابها شهرة واسعة، وأصبحت هى المنصة التى يطل من خلالها المرشح لخطب ود الشعب وأحيانا يتم استخدامها لشن حملات انتخابية مضادة تجاه مرشح أو حزب منافس. ومع بدء الانتخابات التشريعية لمجلس النواب الهندى المعروف باسم «لوك سابها» ازدادت المخاوف من انتشار «الأخبار الكاذبة» على منصات مواقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» و«إنستجرام» وأيضا تطبيق «واتساب» ومن تحولها إلى سلاح فى هذا السباق الذى سيتوج بتصويت 900 مليون ناخب ممن يحق لهم التصويت فى الانتخابات التى تستمر على مدار خمسة أسابيع بدأت فى 11 أبريل الماضى وستجرى على 7 مراحل حتى يتم إعلان النتيجة النهائية فى 23 مايو الحالى . وطرحت مجلة «الإيكونومست» البريطانية فى تقرير لها بعض الأسئلة حول مدى تأثير مواقع التواصل الإجتماعى فى توجيه اراء الناخبين لمرشح بعينه وأيضا تأثير استخدام «الأخبار الكاذبة» أو المنشورات السياسية «المضللة» ضد مرشح منافس، فمثلا كان هناك أحد المنشورات التى تشكك فى الانتماء الهندوسى لراؤول غاندى زعيم المعارضة ورئيس حزب المؤتمر الذى يخوض معركة شرسة ضد حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بقيادة رئيس الوزراء الحالى ناريندرا مودى. وقد حذر التقرير من أن موقع «انستجرام» بات مرتعا للأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة على مدار الأسابيع القليلة الماضية، كما يجرى حاليا تسخير تطبيق «واتساب»- الذى يستخدمه أكثر من 200 مليون شخص فى الهند- للتأثير فى الرأى العام للناخبين، خصوصا من قبل أحزاب المعارضة التى باتت تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعى بشكل رئيسى لنقل رسالتها وبرامجها ووجهة نظرها للناخبين، بدعوى التحيز الصريح للقنوات الإخبارية العامة لحزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم، إلا أن تناقل الكثير من المحتويات غير الموثوق بها والمفبركة أحيانا ينذر بتعميق التوتر فى المجتمع، وربما يبعد الناخب عن اتخاذ قرار مدروس بشأن انتخاب المرشح الأنسب فى رأيه. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ذكر التقرير أيضا أن معظم الأخبار الكاذبة التى تم نشرها عبر تطبيق «واتساب» تسببت فى وقوع أحداث عنف نتيجة أن بعض الروايات فاقمت من التوترات الدينية والطائفية هناك، فقد تسببت شائعات عن اختطاف أطفال فى إحدى القرى الهندية فى قتل عدد من الأشخاص، أما الأخطر فكان مقطع فيديو لذبح شخصين، وكانت الرواية تتحدث عن أنه لجنديين هنديين يُقتلان فى باكستان، لكن بالفحص تم اكتشاف أن المقطع لعصابة فى البرازيل! ووفقا للتقرير تعد الهند ثانى أكبر مستخدم للإنترنت فى العالم بعد الصين، فقد اتسعت قاعدة مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى هذا العام ووصلت إلى حوالى 400 مليون مستخدم فى حين أنه فى انتخابات عام 2014 كان هناك حوالى 100 مليون مستخدم فقط، وأرجع التقرير السبب فى تلك الزيادة الكبيرة إلى انخفاض أسعار الهواتف الذكية وسهولة الحصول على قواعد بيانات الناخبين بأسعار زهيدة جدا ( أقل من دولار واحد)، لذلك فقد أثار انتشار «الأخبار الكاذبة» المخاوف حول ما إذا كانت لجنة الانتخابات الهندية تتحقق بشكل كاف من مطابقة المنشورات السياسية عبر مواقع التواصل الاجتماعى للمعايير التى أقرتها فى «مدونة الأخلاقيات» أم لا، وهى المدونة التى تمت بالمشاركة بين اللجنة وبين منصات التواصل الاجتماعى المختلفة. فقد عقدت لجنة الانتخابات الهندية اجتماعا ضم ممثلى ستة من كبار منصات التواصل الاجتماعى التى تحظى بشعبية كبيرة بين ملايين المواطنين الهنود، «فيسبوك» و«واتساب» و«تويتر» و«جوجل» و«شير شات» و«تيك توك»، قبيل بدء الانتخابات التشريعية بهدف الوصول إلى مدونة سلوكية وأخلاقية تعزز من آليات منع إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، ومن نتائج هذا الاجتماع أن شركة «جوجل» قامت أخيرا بتمويل برنامج لتدريب الصحفيين فى الهند وحول العالم على كيفية التحقق من الأخبار الكاذبة، كما قامت «فيسبوك» بخطوات أخرى شملت حذف مليار حساب وهمى، بالإضافة إلى تطبيق قواعد صارمة على سياسة الإعلانات الانتخابية، كما اتخذت «واتساب» و«تويتر» إجراءات للحد من انتشار الأخبار الكاذبة عبر منصتيهما، فقد أعلن المسئولون عن إطلاق خدمة خاصة تتيح للهنود تحرى صحة المعلومات وتصنيف رسائل المستخدمين إلى حقيقية أو كاذبة أو مضللة أو مشكوك فيها. غير أن كل هذه الإجراءات الوقائية لم تمنع من انتشار الأخبار الكاذبة أو المضللة على شبكات التواصل الاجتماعى، فقد أشار «شماس أوليات» مؤسس موقع «Check4Spam»، وهى مؤسسة غير ربحية هدفها التدقيق والتحقق من صحة المشاركات على وسائل التواصل الاجتماعى، أن هناك صعوبة فى تتبع الأخبار الكاذبة خصوصا تلك المكتوبة ضمن الصور التى يصعب تفريغ النصوص المطبوعة عليها ومراجعتها والتحقق منها، ما لم يتم ذلك بشكل يدوى، مما يتطلب فريقا متخصصا لمتابعة ذلك، مضيفا أن لجنة الانتخابات الهندية كان عليها أن تكون أكثر حرصا بشأن وسائل التواصل الاجتماعى، وأنها لم تقدر الحجم الحقيقى لتأثير هذه المواقع وقللت منه.