استمرت الأزمة السياسية في السودان بين المجلس العسكري من جهة وقوي إعلان الحرية والتغيير بسبب خلاف النسبة والتناسب، فالطرف الأول يريد حسم تمثيله في المجلس السيادي المقترح لإدارة شئون السودان خلال الفترة الانتقالية ليكون 7عسكريين و3 مدنيين، في حين تصر القوي المدنية للثورة علي موقفها بتشكيل مجلس من 8 مدنيين و7 عسكريين. والخلاف ليس بسيطا كما يعتقد البعض، ولكنه بلغ حد الأزمة، فالقوي المدنية تري ضرورة تفوقها عدديا حتي يتسني لها فرصة إدارة السودان الجديدة بالسياسة التي تراها مناسبة للوقت الراهن والتي يتأسس عليها مستقبل البلاد. وتعتقد القوي المدنية أن ترك الأمر برمته للمجلس العسكري مضيعة للوقت وربما فرصة لاستيلاد نظام لا يختلف كثيرا عن نظام عمر البشير وما خلفه من مآس ونكبات في السودان..ولكن ثمة رأي مخالف لما تقترحه القوي المدنية وهو رأي يجانبه الصواب خاصة الذي اقترحه شخصية سياسية بارزة بحجم الصادق المهدي آخر رئيس وزراء منتخب في السودان قبل انقلاب البشير عام 1989. فالمهدي يحذر السودانيين من تصرفات القوي المدنية ويراها استفزازا للمجلس العسكري، خاصة أن الاتحاد الإفريقي مدد مهلته للعسكريين لتسليم إدارة البلاد الي سلطة مدنية الي 60 يوما بدلا من المهلة السابقة وهي أسبوعان بعد نجاح الجهود المصرية في توسيع المهلة. وبالتالي، ليس مهما الوقوف كثيرا أمام مسألة الكثرة العددية في المجلس الانتقالي التي تصر عليها قوي إعلان الحرية والتغيير. فالمجلس العسكري لم يأت من خارج السودان وإنما هو الذي شارك الشعب ثورته ووقف بجانبه ليطيح بالبشير ونظامه ويقرر عدم تمثيل الحزبين المؤتمر الوطني الحاكم والمؤتمر الشعبي الذي أسسه حسن الترابي، باعتبارهما شريكين رئيسين في منظومة الفساد واختطاف السودان إبان رئاسة البشير. المهم في المشهد الدائر في السودان ألا ينجرفوا هناك الي مأزق الفوضي والغوغائية، فالعقل الجمعي بلا قيادة. ويكفي أن السودانيين سطروا ملحمة وطنية خالدة بأحرف من ذهب بتحالف الشعب والجيش معا، ويبقي التحذير من أي ارتداد من قوي النظام السابق مستغلة حالة عدم التوافق الحالية، فالأهم تم ويبقي الاتفاق علي كلمة سواء تفاديا للأسوأ وعدم منح الفرصة للبشير لكي يضحك كثيرا علي أحوالهم حاليا. لمزيد من مقالات محمد أمين المصرى