في ظني لم تحصل مخرجة عربية على عدد الفرص التي نالتها المخرجة اللبنانية نادين لبكي، ولكنها لم تفعل شىء تقريباً بتلك الفرص سوى الترويج لنفسها فقط كمخرجة وامرأة جميلة تستطيع أن تمثل أيضا.. لم يتغير إحساسي منذ أول فيلم شاهدته لها «كرامل 2007»، حيث دائما ما يلازمك شعورا بأن هناك شيئا مفتعل وغير صادق وهو ما تأكد أيضا بعد مشاهدة فيلمها «كفر ناحوم» الذى صاحبته ضجة كبيرة مع مشاركته في «كان السينمائى» وحصوله على جائزة لجنة التحكيم، ثم ترشحه لأوسكار أحسن فيلم أجنبي، والذى شاهدته كآخر فيلم فى قائمة أفلام الأوسكار 2018. ينطلق سيناريو «كفر ناحوم» من حكاية الطفل زين المتشرد، والذى يعانى داخل أسرته كثيرة العدد، أب يجلس بلا عمل، وأم لا تفارقها السيجارة، ويعمل هو وأشقاؤه فى الشارع، إلا أن زين يشكو أسرته لأنها زوّجت أخته الطفلة، فماتت البنت بسبب النزيف.. زين الذى يحاول قتل زوج شقيقته والذى تسبب فى وفاتها كما يرى زين بالسكين، ويهرب إلى الشارع، ومن خلال رحلة بحثه عن عمل ومكان ينام فيه يتعرف على فتاة إثيوبية تعمل بشكل غير شرعى فى لبنان، ويتورط الطفل زين فى رعاية ابن المهاجرة الإثيوبية، والتى تم إلقاء القبض عليها بسبب عدم وجود تصريح للعمل. بين الخطين الدراميين للعمل الكثير من الثرثرة الدرامية، والتفاصيل التى أثقلت كاهل السيناريو نشاهد مشاهد ولقطات وحوارات عن المخدرات العجوز التائه، وصديقته، والمهاجرين السوريين، سماسرة الهجرة غير الشرعية، ختان البنات، زواج القاصرات، التنمر وما يعانيه الأطفال بسبب ذلك، والفقر، وما يسببه من معاناة، وكأن لسان حال نادين وفيلمها قرروا أن يصنعوا فيلما يحفل بكل القضايا التى تثير المشاهد الغربى كما تراه والممول الغربى،_( راجع مشهد والد ووالدة زين وهما يمارسان الجنس ولا يفصل بينهما وبين أولادهما الكثيرين سوى ملاءة سرير). والمفارقة المدهشة حقا أن نادين لبكى ومن خلال طرحها لقضية تلك الأسرة المهمشة والتى ترزح تحت وطأة الفقر كأنهم هم الملامون والمسئولين وعلى الطفل زين _ بالمناسبة صاحب وجه مميز وطفل موهوب حقا_ أن يحمل عبأ كل هذه الخطوط الدرامية الكثيرة والمرتبكة مثلا لم أفهم المنطق وراء المشهد الذى يتعامل فيه زين مع شقيقته عندما حدث لها البلوغ وجاءتها دورتها الشهرية فهو الذى أخبرها بالأمر ومدها بقطعة قماش، ثم سرق لها الفوط الصحية، ولكن منطق الدراما التى طرحتها لبكى كان يتسق أكثر أن تكون الفتاة على علم بما يحدث لها، فهى تساعد فى تربية أشقائها، وتستمع لصوت والديها وهما يمارسان الجنس مثلها مثل شقيقها، ولكن لبكى التى غالبا ما تنساق مع كل ما تستطيع أن تصرخ بسببه وهى تقول «واو شو حلو كتير» فهى لم تكن ترى سوى الطفل زين ليقوم من خلال دوره بكل شىء، وهو ما يؤكده أيضا مشهد المحكمة العبثى حيث تحولت محاكمة الطفل إلى أن يقوم هو بمحاكمة أهله فى حين تطل لبكى بوجهها فى دور المحامية والتى لم نراها تدافع أو تقدم مرافعاتها حيث قام زين بذلك أيضا، وهناك الطفل الإثيوبى والذى كان يرقص ويأتى بحركات غير متوقعة يبدو أنها أدهشت لبكى أيضا فتركتها دون أن تسأل ماذا أضافت تلك اللقطات للدراما، ولكنها لقطات تثير المشاهد وتجعله يبتسم فقط فلماذا لا تكررها المخرجة من حين لآخر أو تترك الكاميرا للطفل. لم تتمكن نادين لبكى من السيطرة على مشاهد التصوير فى الشارع، والتى جاءت أقل بكثير فى حرفيتها وتقنيتها من المشاهد الداخلية الأخرى وفى بعض المشاهد تجد أن هناك من ينظر للكاميرا من المارة، إضافة إلى الانعكاسات البادية فى عدسة الكاميرا. وقد تكون الموسيقى التصويرية للفيلم جيدة إلى حد ما، وبعض الممثلين والذى تفاوت أداؤهم من جسدت دور الأم تمكنت من أن تفلت ببعض اللقطات من الطفل بطل لبكى. تحفل السينما المصرية فى تجربتها الثرية على مدار 124 عاما بالعديد من التجارب السينمائية التى تناولت حياة المهمشين والفقراء وتحديدا تجارب الواقعية الجديدة بروادها داود عبدالسيد، وعاطف الطيب، ومحمد خان، وخيرى بشارة، ورضوان الكاشف وشريف عرفة وهى الأفلام التى تحفل بالكثير من الجماليات والصدق خصوصا أن الفارق ضخم بين أن تصنع فيلما عن المهمشين والفقراء وأنت تتعاطف معهم وترى الجمال رغم ما يعانونه، وأن تعرضهم للفرجة ولسان حال يقول «يا حرام»، ولو كانت لبكى قد حاولت أن تشاهد بعضا من هذه الإنتاجات لكان من الممكن أن تقدم عملا سينمائيا صادقا وحقيقيا.