هل هناك من ورط تركيا في المستنقع السوري؟ سؤال بات علي الألسنة مقرونا بعلامات التعجب الممزوجة بالسخرية, والتي ارتسمت علي وجوه البسطاء من أبناء الاناضول, فأيام ويسقط الأسد، هكذا قال رجالات الحكم في العاصمة أنقرة, لكن الشهور تمر والديكتاتور( الذي كان صديقا حميما هو وأسرته), مازال ينكل بشعبه, فلماذا العجلة وإطلاق الأحكام المتسرعة؟ ومن ثم كان علي بلادهم التأني وعدم الانجراف نحو رغبات الآخرين في الغرب وفي المقدمة بطبيعة الحال الولاياتالمتحدةالأمريكية. والأخيرة لا أحد من المراقبين يملك أن يقول إنها دولة صديقة لعموم ساكني البلاد خصوصا هؤلاء الذين يعيشون في العمق بعيدا عن صخب المدن, فالريبة أن لم يكن العداء تجاهها تتنامي بل وتتعاظم. ومن الأمور اللافتة للنظر أنه بالتزامن مع نشاط محموم في قاعدة إنجيرليك العسكرية الواقعة في أضنة تحسبا لتطورات الحرب الأهلية السورية, كان العشرات من المواطنين العاملين بها يستعدون لاضراب ضد القائمين عليها من الأمريكيين إحتجاجا علي تدني أجورهم. وقبل أيام تعد علي أصابع اليد الواحدة طالعتنا الميديا المقروءة برسالة بعث بها كمال كيلتش دار أوغلو زعيم الحزب الذي أسسه أتاتورك قبل تسعة عقود إلي رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان حدد فيها موقف الحزب ورؤيته حيال التفاعلات المتفاقمة بالشام المجاور, مؤكدا ضرورة الوقوف بجانب سوريا كدولة مستقلة ذات سيادة وحماية وحدة أراضيها. كيلتسن دار أوغلو لم يكتف بذلك بل طالب الحكومة بالسعي إلي إحلال السلام والمصالحة وانهاء العنف ويكفي ما تكبدته تركيا من أثار سلبية طالت اقتصادها وتجارتها وسياحتها. الغريب في الأمر هو تلك الصدمات التي صارت تتلقاها أنقرة, من الاصدقاء قبل الإعداء, فصوتها بح لفرط ما نادت به, بإقامة مناطق عازلة داخل الاراضي السورية, وحاولت شحذ همم المجتمعين في الاجتماع الثاني للجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي, والذي إستضافته مؤخرا, وافتتحها وزير الخارجية داود أوغلو, مع الأمين العام للمنظمة, أكمل الدين احسان اوغلو, وبالفعل تم تبني قرارات عززت النهج التركي تجاة المعضلة السورية, غير أن أحد من الفاعلين علي الساحة الدولية لم يستجب, وكان رهانها الأخير علي مجلس الأمن يوم الخميس الماضي, غير أن الأخير عقد وانفض, دون أن تظفر أنقرة المدفوعة بآمال عريضة, بشئ ذي قيمة. ورغم كل ذلك يبدو أن مفردات السيد كيلتش المعارض التي سطرها في خطابه سالف الذكر, إضافة إلي نداءات نخب المال والأعمال لم تلق آذانا صاغية لدي أردوغان, فالأخير أصبح علي قناعة بأن بشار صديق الأمس القريب مات سياسيا وسقوط نظامه قاب قوسين, ووفق لشواهد فالرجل, حتي ولو أراد, لن يكون بإمكانه العودة, بل عليه أن يستمر وحتي النهاية في الطريق الذي سلكه منذ بداية الازمة. وتزامنا مع هذا اللغط, اتسعت الأعمال الإرهابية وزادت من وتيرتها الإجرامية والتي تزامنت بدورها مع تفاقم الأوضاع في الشام الذي صار شماله نقاط إنطلاق لحرب عصابات يقودها إنفصاليون علي الاراضي التركية, ورغم اتخاذ السلطات الأمنية التدابير الأمنية المشددة بعدد من مدن جنوب, وجنوب شرق البلاد, لدرء أي هجمات. وفي إشارة تؤكد أن المنطقة ذاهبة إلي أجواء شديدة التعقيد تواترت أنباء أكدت علي أن حلف الناتو بدأ العمل لإنشاء قاعدة رادار جديدة علي قمة جبال كلداغ الاستراتيجية الكاشفة للاراضي السورية والبالغ ارتفاعها1740 م عن سطح الأرض وينتظر أن ينتهي العمل بها بعد سنة من الآن, وبالتوازي بدأت وزارة الداخلية إعداد العدة لشراء6 مناطيد التي تعمل بغاز الهيليوم, وكل واحد منها لديه قدرة كبيرة علي جمع المعلومات الاستخباراتية مثل طائرات التجسس دون طيار وذلك لرصد كل التحركات الحدودية لمنع تسلل الانفصاليين سواء من العراق وسوريا الي الاراضي التركية بالاضافة إلي نصب انظمة تقنية متطورة وكاميرات التصوير الحرارية واجهزة الاستشعار بجميع النقاط الحيوية للهدف ذاته.فماذا يعني هذا سوي إصرار العدالة الحاكم تنفيذ أجندة الغرب؟ ولزيادة الضغوط الاقتصادية وفي إطار التردي الذي تشهده العلاقات بين البلدين وعلي خلفية الدعم التركي للجيش السوري الحر, منعت العراق الشركات التركية من دخول المناقصات التجارية والنفطية, وقالت صحيفة آيدلنك أن الحكومة المركزية في بغداد طلبت منهم عدم التقدم بالمناقصات واشار جمال اكجان رئيس إحدي الشركات التركية في تصريحات للصحيفة إلي أن الاوضاع المالية لمجمل شركاتهم, وصلت الي نقطة الصفر بدلا من سياسة صفر مشاكل في إشارة ساخرة إلي سياسة دواد أوغلو, وأضاف أكجان أن زيارة الوزير غير المبررة لمدينة كركوك في نهاية يوليو الفائت والتي تمت بدون موافقة حكومة نوري المالكي, كانت السبب الرئيسي وراء ما تعاني منه مصالح الأعمال التركية. فماذا عساها أن تفعله حكومة العدالة سوي ألا تكترث بتلك المؤمرات التي يحبكها بعض الجوار الطائفي الذي لايريد السلامة لورثة العثمانيين العظام. الأكثر إثارة هو أن الحزب بات غير مهتم بالداخل وإستطلاعات الرأي التي تشير إلي تراجعه.. فربما هي ايضا من آلاعيب الخصوم الحاقدين!!