مع تعاظم تأثير وسائل التواصل الاجتماعى على أنشطة حياتنا اليومية ومن بينها فعل القراءة، لم يعد القارئ ينتظرمقالات النقاد بالصحف ليرشحوا له الكتب بل تحول القارئ نفسه إلى ناقد، وأصبح ومتابعوه من القراء ممن يثقون فى ترشيحاته بمثابة سلطة محسومة ضد أى سلطة أخرى وإن كانت تختلف فى مستويات الضغط والتأثير يعتبر لها الكُتاب ودور النشر، وتغير فعل القراءة نفسه ليتطور من نوادى الكتب التقليدية إلى نواد ومجموعات ذات أبعاد أكثرشعبوية وتفاعلية على مواقع التواصل. فى البداية كانت مواقع التدوين التقليدية مثل «جودريدز» وغيرها من الشبكات الاجتماعية التى تأسست لتجميع القراء ومناقشة آرائهم فى الكتب ثم تطور الأمر ليظهر «البوكتيوب» BookTube وهو محتوى فيديو رقمى على موقع يوتيوب متخصص فى الكتب. يُطلق على أصحاب هذه القنوات «البوكتيوبر» وهم صُناع المحتوى الذين يشاركون شغفهم بالقراءة وآخر قراءاتهم من خلال الفيديو، ولا يختلف كثيرا عن «بوكستجرام» bookstagram وهو محتوى صور أو فيديو متخصص فى الكتب يتم نشره على موقع انستجرام وغالبا مايدور المحتوى حول مراجعات للكتب، ترشيحات للشراء، كما يرشح المدونون قائمة من الكتب لمتابعيهم وتنظيم تحديات للقراءة أو ما يسمى بماراثون القراء..هذا الواقع الجديد فرض تساؤلات عديدة ملحة حول مدى تأثير العلاقة بين المدون، الذى أصبح مؤثرا، وبين متابعيه على تشكيل الميول القرائية الخاصة بعيدا عن ضغوط الحشد الشعبوية؟ وإلى أى مدى قد يؤثر ذلك على تراجع النقد التقليدي؟ وهل يستفيد الكٌتاب من هذا النوع من النقد فى تطوير أدواتهم أم أن تحقيق الانتشار هو الفائدة الوحيدة؟..حاولنا الإجابة على هذه الأسئلة فى التحقيق التالي. توصية من قارئ لآخر توضح أمل سيد، الطالبة بكلية الآداب والمهتمة بمتابعة البوكتيوب ل «الأهرام» ، أنها تفضل الاستماع لعروض شباب مثلها فى الكتب قبل شرائها، مضيفة «أشعر بأنهم يتحدثون بنفس لغتى وأن نصيحتهم تكون من قارئ لآخر ولا اهتم إن كان بعضهم يتفق مع دور نشر لعرض كتب بعينها طالما كان ما يتم عرضه جيدا وأنا من أقرر فى النهاية». تتفق معها سارة علي، تعمل بالتسويق الإلكترونى مضيفة «هم شباب مثلنا يستخدمون نفس الأدوات التى نستخدمها. ولم أعد اهتم بقراءة المقالات النقدية بالصحف فهناك مصطلحات غريبة لا يفهمها سوى متخصص، وفى ظل التنوع فى إصدار كتب كثيرة وقلة الميزانية فالحاجة لمعرفة تجربة شخص آخر مهمة كما لو أنك تسأل قبل شراء موبايل أو أى شيء آخر». بين ضغوط المتابعين واستقطاب الناشرين تكشف «البوكتيوبر» ندى الشبراوى أو «دودة كتب» ل «الأهرام» عن أن معظم الانتقادات التى توجه لها تكون فى إطار دينى يتعلق بمظهرها كمحجبة ومثقفة معا! أو طريقة ارتداء ملابسها كفتاة!، بالإضافة إلى تفضيلها لعرض الكتب المترجمة، مضيفة «اتحدث عن الكتب التى أحب قراءتها لأنى أعرضها بحماس وهذا يعطينى المصداقية وأرفض الاستجابة لضغط المتابعين بفرض نوعيات كتب أو مؤلفين بعينها لأننى بالتأكيد لن أكون صادقة. وعلى البوكتيوبر أن يتمسك بحقوقه فيما يتعلق بالتعبير عن ميوله القرائية بحرية». ترى ندى أنه مهما بلغت شهرة وتأثير البوكتيوبر فهو لا يستطيع فرض كتاب معين على القارئ وأن القارئ فى النهاية من يتخذ القرار، معتبرة أن مجتمع البوكتيوبر فى مصر يفتقد التنافس لأن كل مدون يتميز بتقديم نوع مختلف من الكتب، لذا فالتنوع يأتى لصالح القارئ فى النهاية. أما «الروائى» أو عمرو المعداوى فيعترف بأنه يحاول الاستجابة أحيانا لضغوط متابعيه بعرض كتب فى مجالات يرغبون بها، مضيفا «وجهت لى انتقادات بشأن عدم انفتاحى على أدب الخليج وتركيزى على الأدب المصرى فقط، فبدأت أنوع فى قراءاتى من أجل إرضاء المتابعين ولكن ليس طوال الوقت. فعندما حاولت قراءة نوع أدبى يخالف ميولى القرائية كأدب الرعب كانت تجربة سيئة بكل المقاييس أهدرت وقتى وبعد إعداد الفيديو قمت بحذفه لأن كله كان سلبيا». لا ينكر صاحب قناة «الروائى» أن بعض دور النشر تسعى لاستقطاب «البوكتيوبر» للاستفادة منهم عبر الدعاية لكتبهم، مضيفا «بعض دور النشر تهدينى كتبها، ولكن دون أى إلزام لعرضها على قناتى وأحيانا كثيرة اكتشف كتبا جيدة من ترشيحاتهم واحيانا لا أهتم .. فهذا يتوقف على رأيى بالكتاب». يكشف محمد شادى أو «بتاع كتب» أنه أيضا يتعرض لضغوط من متابعيه، مضيفا «أفضل الروايات وخاصة المترجمة، وأحيانا أواجه بانتقادات حول عدم تناولى للكتب الفكرية، للأسف هناك من يرى قراءة الروايات بمثابة تضييع للوقت، لذا أحاول الموازنة بين ميولى واهتمامات متابعيني. لا أميل لاختياراتهم وأعرض ما استمتع بقراءته». يرى «بتاع كتب» أن دور النشر لم تدرك جيدا بعد قيمة وتأثير البوكتيوبر، مضيفا «بسبب عملى بإحدى المكتبات فأنا ألمسه يوميا فأحيانا تنفذ كتب من على الرفوف بسبب توصيات مدونين». تأثير كبير على مبيعات الكتب.. ولكن يؤكد شريف الليثي، مسئول التسويق بدار تويا للنشرأن البوكتيوبر مهم وأصبح له تأثير كبير على توزيع ومبيعات الكتب إذا ما كان يتمتع بالمصداقية والموضوعية لدى متابعيه، مضيفا «بعضهم أصدقاء ولكن وجهات نظرنا قد لاتتفق دائما فقد يوجهون لنا انتقادات ونرحب بذلك». يتفق معه أحمد سعيد، مدير دار منشورات الربيع، حول أهمية البوكتيوبر لتعريف القارئ بالكتاب وتحقيق الانتشار للكتاب إلا أنه يعتبر أن لهذه الظاهرة سلبيات مثل سيطرة الذائقة والميول القرائية للمدون على متابعيه فى كثير من الأحيان، مما يعيق القراء عن اكتشاف كتب جديدة قد تكون بنفس جودة الكتاب الذى يرشحه لهم المدون على مواقع التواصل، مضيفا «للأسف السوشيال ميديا ممكن فى أوقات كثيرة تعمل انتشارا وقيمة لكتاب أو مؤلف ليس له قيمة جادة حقيقية وهذه الظاهرة لا تصنع قارئا حقيقيا يمتلك وعيا». لا يبتعد كثيرا موسى علي، المسئول الإعلامى للدار المصرية اللبنانية مؤكدا أن تلك الظاهرة منتشرة فى العالم العربى وليس فى مصر فقط، وأن هناك قراء بالخليج يطلبون كتبا بعينها بناء على ترشيحات مدونين يثقون فيهم، وبالتالى فهذا يؤثر بشدة على التوزيع والمبيعات لأى دار نشر. افتراضى أو أكاديمي.. سيظل النقد نقداً ويرفض الناقد الكبير د.جابرعصفور الاستهانة بهؤلاء النقاد من المدونين، مستنكرا تعامل بعض النقاد الدارسين للنقد معهم باعتبارهم «مجرد قراء فى الأصل لا يعرضون نقدا علميا»، معتبرا أن النقد هو نقد فى كل الأحوال سواء إذا ما كتب على الورق أو على وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفا «أى ناقد يطعم نقده بمصطلحات غريبة ومعقدة فهو ليس ناقدا لأن الناقد الحق يمكنه التعبيرعن أعمق المعانى بأبسط الكلمات». وحول تأثير توجيه المدونين لمتابعيهم بشأن اتجاهات شراء كتب معينة على تشكيل ذائقتهم الأدبية وميولهم القرائية الشخصية؛ يوضح وزير الثقافة الأسبق أنه لا ضرر من أن يتبع القارئ آراء ناقد ما مادام يثق فى رأيه، ومع الوقت والخبرة سيستكشف ميوله القرائية الخاصة لاحقا. يتفق معه د.شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الأسبق، معتبرا أن الإنسان يشكل ذائقته القرائية والأدبية مع الوقت، مستبعدا أن يؤدى انتشار تلك الظاهرة إلى تراجع النقد التقليدى الأكاديمي. الكاتب بين تطوير أدواته وسلطة القارئ من جانبه يرى الكاتب أحمد القرملاوى أن القارئ يمارس سلطته دائما على الكاتب، معتبرا أن البوكتيوبر مفيد للقراء لتعريف شريحة معينة منهم بالكتب، إلا أنه يعرض وجهة نظره وانطباعه كقارئ، معربا عن تفضيله معرفة آراء القراء فى أعماله من خلال اللقاءات المباشرة معهم بنوادى القراءة لتبادل وجهات النظر، لافتا إلى أن آراء النقاد الأكاديميين تكون مفيدة أكثر له ككاتب من أجل تطوير أدواته فى الكتابة حتى ولو كان نقدا سلبيا. يختلف معه الكاتب عمرو حسين، مؤكدا أهمية البوكتيوبر، مضيفا «العالم كله يتجه إليهم الآن ليس فقط فى الكتب بل لتقييم أى سلعة أو منتج قبل الشراء، وبشكل شخصى أتعامل معهم باعتبارهم قراء عاديين واهتم برأيهم لأننى فى الأساس أكتب للقارئ وليس للجوائز أو النقاد، ويهمنى أن تصل أفكارى للقراء بطريقة ممتعة وأسعد بأى نقد حتى لو كان سلبيا لأننى أستفيد منه».