يموت أفضل من فينا، أهل ورفاق طريق، ورجال قال الله عنهم: «صدقوا ما عاهدوا الله عليه», تسفك دماؤهم الذكية، وتتشظى أبدانهم الطاهرة، فلا يذرف أحد دمعة، ولا تتفجر مشاعر الحزن والغضب بالفقد الكبير، خاصة للرجال الذين يعطينا موتهم حياة لاتقدر بثمن. اعتدنا أن نتوقف أمام الموت، وقتا ليس بالضرورة أن يكون طويلا، نتأمل حياتنا وأسرار وجودنا ومآلتنا، ونبدى حزنا طبيعيا، على الذين رحلوا، بعد أن شاركونا أوقاتنا، بحلوها ومرها، وتنفسوا نفس هواء رحلتنا المشتركة، التى انقطعت بهم فجأة، وغدرا وغيلة بأيد آثمة، بعد أن منحونا طمأنينة، بأن ثغور الوطن فى حماية رجال «منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر». ليس الأمر موغلا فى الزمان، حين كان الموت يفرض جلاله وحضوره على الجميع، أقرباء وشركاء وغرباء، وكانت تؤجل من أجله، كل المناسبات الأخرى العامة والخاصة، تعاطفا وحزنا وأسفا، أما الآن وفى حياتنا الجديدة، فلا أثر لهذا الماضى القريب. ما الذى حدث لنا؟، ولماذا فقدنا تلك المشاعر النبيلة، التى كانت تضفى على الحياة سمتها الإنسانية، وتوحد مشاعر البشر، خاصة فى الأحزان والملمات؟. هل فقدنا إحساسنا بالموت، ولم يعد حادثا مهما، بعد أن اعتدنا عليه، بفعل سنوات العنف الطويلة، التى لا تريد أن تنتهى؟! حقا، ما الذى حدث لنا؟
فى الختام.. يقول الشاعر صلاح عبد الصبور: «فى كل مساء/ حين تدق الساعة نصف الليل/ وتذوى الأصوات/أتداخل فى جلدى أتشرب أنفاسى/ وأنادم ظلى فوق الحائط». لمزيد من مقالات محمد حسين