لم يكن هدفه كسب المال ولا أضواء الشهرة، ولم يزعجه وصفه ب «المجنون» من قبل المحيطين به سواء الأصدقاء أو زملاء العمل، فقد بات يألف الكلمة لكثرة ما قيلت له، بل أصبحت تزيد من حماسته كلما سمعها وجعلته متشبثا أكثر بما يقوم به. أما عبارة «ما فائدة تضييع الوقت فى ذلك؟» التى دائما ما كان يرددها والداه، فكانت الشعلة لوقود طاقته كلما هدأت حماسته، يدرك جيدا أن «المعرفة» حق لكل إنسان، ولكنه يؤمن أيضا أن «مجانية المعرفة» لا تقدر بثمن. ستيفن برويت أصبح بين ليلة وضحاها «أسطورة» الإنترنت، وهو الذى ظل أعواما كثيرة يقبع خلف مكتبه الصغير فى أرشيف مصلحة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، حيث يعمل هناك، وفى أوقات فراغه يقوم بأكثر عمل محبب إلى قلبه، تحرير مقالات للموسوعة الإلكترونية الأكثر شعبية فى العالم (ويكيبيديا)، حتى أصبح رائدا فى «التعديلات» على هذا الموقع، وهو ما دفع موقع «سى بى إس» الإخبارى لنشر تقرير عن قصة الشاب «المغمور» الذى كتب 35 ألف مقال فى ويكيبيديا، وأجرى أكثر من 3 ملايين تعديل فى المقالات على مدار 13 عاما مجانا- باعتماده على مصادر عدة كالكتب والمجلات الأكاديمية، وتسبب التقرير فى شهرة واسعة للأمريكى من ولاية فرجينيا والبالغ من العمر 35 عاما. برويت مهتم لحد الجنون بالتاريخ، ولذلك فقد كانت أولى مقالاته التى قام بتحريرها على موقع «ويكيبيديا» عن شخص يدعى «بيتر فرانسيسكو» والذى يعرفه ستيفن، بأنه كان أحد أجداده السابقين. ومن المعروف أن الموسوعة الإلكترونية (ويكيبيديا) تتباهى الآن بنشرها أكثر من 5.7 مليون مقالة بالإنجليزية وملايين أخرى مترجمة إلى لغات أخرى كلها مكتوبة بواسطة متطوعين على الإنترنت , لذلك فقد كان اختيار برويت واحدا من أكثر الأشخاص تأثيرا على الإنترنت من قبل مجلة «تايم» الأمريكية عام 2017، لتحريره ثلث جميع مقالات اللغة الإنجليزية على الموسوعة، حدثا كبيرا على الأقل بالنسبة لوالديه، اللذين أدركا أخيرا أهمية ما يقوم به إبنهما، حينما شاهدا إسمه ضمن 25 شخصية عالمية إلى جانب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والكاتبة البريطانية جى كى رولينج، والأمريكية كيم كارداشيان. «لا وجود لويكيبيديا دون تفانى وإخلاص المتطوعين أمثال ستيفن».. هكذا علق كوى كينانيجوى نائب رئيس الاتصالات فى ويكيبيديا، والذى أكد أن الموسوعة الآن تعد واحدة من أفضل خمسة مواقع يتم الدخول عليها فى العالم بجانب محرك البحث الشهير جوجل ومواقع التواصل الاجتماعى فيسبوك وتويتر وأيضا يوتيوب، فكل ثانية يقوم ستة آلاف شخص بزيارة الموقع مما يجعل مسئولية المحررين كبيرة، فى تقديم منصة متنوعة وعادلة، كما أثنى كينانيجوى على الجهد الكبير الذى قام به برويت فى مشروع. «women in red» أو «السيدات ذات الرداء الأحمر»، وهدفه الأساسى إنشاء مقالات عن النساء البارزات فى مختلف المجالات وتسليط الضوء عليهن، كما يشجع المشروع زيادة عدد المتطوعات من النساء فى موسوعة ويكيبيديا، سواء بإجراء التعديلات أو كتابة المقالات، ويبدو أن مساهمة برويت فى هذا المشروع كانت متميزة، فقد ارتفعت نسبة مقالات السيرة الذاتية فى الموسوعة الخاصة بالنساء لتصبح 17.6 فى المائة، فى حين أن النسبة كانت أقل من 15 فى المائة منذ بضع سنوات. إن العدد الهائل للتعديلات والمقالات الخاصة بستيفن جعلته فى المركز الأول، وهو لا يساوره القلق بشأن فقدان هذه الأسبقية، فمنافسه الأقرب إليه يقل عنه ب 900 ألف تعديل، وهى مسافة تبدو آمنة تماما ل «أسطورة» الويكيبيديا.