غدا الثلاثاء آخر أيام معرض القاهرة الدولى للكتاب. بعد انتهاء دورة اليوبيل الذهبى للمعرض. أكمل 50 عاماً من عمره ليصبح معرضاً من أقدم معارض الدنيا. وغدا توزع الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة. والدكتور هيثم الحاج على، رئيس الهيئة العامة للكتاب ورئيس المعرض جوائزه السنوية. ليكون آخر الفعاليات. نسأل أنفسنا عما حققه وما لم يحققه. المنجزات والإخفاقات. إن كانت وقعت. الكمال لله وحده. وفى هيئة الكتاب ستجتمع لجنة المعرض الأسبوع القادم لتتوقف أمام ما أنجز وما لم ينجز فى هذه الدورة المهمة. التى جعلت من معرض القاهرة الدولى للكتاب معرضاً من أقدم وأهم معارض الكتب فى عالم اليوم. شهد 2019 انتقال المعرض لمقره الثالث فى عمره الطويل. كان المعرض الأول سنة 1969 فى أرض المعارض مكان دار الأوبرا والمجلس الأعلى للثقافة الآن. ثم انتقل إلى أرض المعارض فى مدينة نصر. وجاء الانتقال الثالث فى عامنا. وربما لا يكون الأخير. لدىَّ إحساس أن المعرض مرشح فى السنوات القادمة يا ترى من يعيش للانتقال لمقر جديد سيكون الرابع فى عمره الطويل. قد ينقل إلى العاصمة الإدارية الجديدة. حتى تستكمل ملامح العواصم الكبرى بعد أن أنشئ بها أكبر مسجد وأكبر كاتدرائية وأكبر قاعة مؤتمرات. افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الأسابيع الماضية. وعندما يكون فيها معرض كتاب. سيصبح أكبر المعارض مساحة واستيعاباً. فإن معالم العواصم ستتواجد هناك. المسجد والكاتدرائية وقاعة المؤتمرات. ثم معرض القاهرة الدولى للكتاب من علامات العمران. والعمران أهم بكثير فى ملامح حياة المدن. ومنذ أن حدده وكتب عنه عبد الرحمن بن خلدون فى مقدمته الشهيرة. التى أسست علم الاجتماع للدنيا. وأنا أعتبره كلمة أولى فى سجل التحضر فى تاريخ الأمم. عندما تقرر نقل المعرض من مدينة نصر إلى الكيان الثقافى الجديد. كان لدىّ تخوف من نجاح المعرض بعد انتقاله. لبعد المكان وعدم تعود الناس على الذهاب إليه من أجل المعرض. الناس أسرى لما تعودوا عليه. والناس وهذا جزء من الطبيعة البشرية لا يستريحون لفكرة التغيير. بل ربما يقاومونه. والمعرض القديم كانت لديه ميزة جوهرية ألا وهى خط المترو الذى تصل محطته لباب المعرض من الناحية الأخرى من طريق صلاح سالم. والمترو وسيلة انتقال رخيصة وسهلة وسلسة أحبها المصريون. كانوا يستقلونه من ميادين القاهرة. ويصلون هناك بالآلاف. وفى آخر المعرض كانت أرقام من زاروا المعرض تتعدى الملايين من الزوار. قال أرنولد تويمبى عن مصر وعن استمراريته منذ فجر التاريخ وحتى زمنه، كلمتين أساسيتين هما: التحدى والاستجابة. جرى التخطيط لنقل رواد المعرض من ميادين القاهرة الكبرى مقابل أجر رمزى بسيط. وكان النقل يتم من ميادين التحرير وباب الحديد والعباسية بسيارات عليها لافتات كبرى مكتوب عليها: معرض القاهرة الدولى للكتاب. خصصتها محافظة القاهرة وهيئة النقل العام. بعد أن وضعت الأساس القوات المسلحة. وحاولت نقل الركاب بالمجان إلى أرض المعارض. وأعادتهم إلى الأماكن التى تحركوا منها بعد زياراتهم للمعرض. المكان بكر جديد. وكل الاستعدادات التى تمت فيه كانت تستخدم لأول مرة. وفى المرات الأولى حالة من البكارة. لكن أيضاً من الوارد أن تكون هناك أخطاء تنتج عن الاستخدام الأول والمعرض الأول. وقد تم تلافيها لأن أعداد الناس التى رأيتها فى المعرض كانت تزداد يوماً بعد يوم. إن زوار بعض الأيام قد تجاوزوا المليون. وهذا ثابت من أرقام التذاكر المباعة. فهو كلام دقيق. ومعرض القاهرة الدولى للكتاب محظوظ فى موعده الثابت لأنه يتصادف مع إجازة نصف العام الدراسى. حيث تكون الأسرة المصرية على موعد مع أبنائها بعد أن أخذوا إجازتهم ومطلوب لها أن تغير حياتهم، وأن تخرجهم من الروتين اليومى الذى كان موجوداً فى النصف الأول. وينتظرهم مع النصف الثانى. رحلة عائلية ما كنت أتصور أنى سأراها مع المعرض الأول فى هذا المكان. ولكنى رأيت العائلات والأسر مثلما كانوا فى المعرض القديم بالضبط. حملوا معهم احتياجاتهم وذهبوا من أجل الخروج من كتمة البيوت واكتظاظ المساكن إلى حالة من البراح. حاولوا أن يخطفوا فيها لحظات من شمس الشتاء النادرة، سرعان ما تشرق وسرعان ما تغرب. أرقام المبيعات سنعرفها. وأكثر الكتب مبيعا سيعلنها الناشرون. والإقبال على النشاط الثقافى بأنواعه المختلفة سنعرفه عندما يتحول المعرض إلى إحصائيات ونسب مئوية وأعداد لا أقول صماء. لكنها تعكس حركة البشر خلال أيام المعرض. مجرد أن تذهب هذه الأعداد إلى مكان فيه كتب مسألة شديدة الأهمية. بصرف النظر عن شراء الكتب من عدمه. كانت هناك مشكلة سور الأزبكية. أقام أصحاب السور معرضاً موازياً فى مكانهم بميدان العتبة. لكن هيئة الكتاب حاولت استيعاب أى عدد منهم وجاء 6 من باعة الكتب المستعملة. وإن لم يستطيعوا أن يعطوا الانطباع بظاهرة الكتب المستعملة التى كانت موجودة فى المعارض القديمة. وأعتقد أن معرض العام القادم يجب أن يراعى ظروفهم ويحرص على أن يكونوا موجودين. والحرص كان موجوداً هذا العام ولكنها مشكلة مكان. معرض هذا العام أقيم على مساحة هى نصف المساحة التى كان يقام عليها فى مدينة نصر. واستيعاب نفس الأنشطة ونفس الزوار فى مساحة تقع فى النصف مسألة ربما كانت صعبة. ولكن جرت محاولة للاستيعاب. هل وفقت؟ هل كانت هناك ملاحظات عليها؟ هل كانت هناك متاعب عاناها الناس؟ كل هذا وارد. لكن المهم ألا يتكرر فى العام القادم. لأن فى الشخصية القومية لأى وطن ثوابت ومتغيرات. تطغى المتغيرات فى أيام الانتقالات وإعادة البناء الكبرى. لكن الثوابت هى الثوابت. واستمرار الثوابت يحمل قدرا كبيرا من الاطمئنان للإنسان من استمرارية المجتمع وتماسكه. وزيارة معرض القاهرة الدولى للكتاب كانت موقفاً مصريا ضد التطرف والإرهاب. عبَّرت عن رغبة المصريين فى استئناف حياتهم والالتفات إلى مشروعاتهم القومية الكبرى. فالثقافة ليست قراءة الروايات بقدر ما هى تعبير عن حب الحياة. وإعادة بناء حياة المصريين. وأن نقول جميعا لأعداء الحياة: لا وألف لا. لمزيد من مقالات يوسف القعيد