محافظ الوادي الجديد يفتتح مصنعا مطورا للتمور بالخارجة بطاقة إنتاجية 15 طنا يوميا    قيادي بحزب مستقبل وطن: معرض تراثنا نقطة انطلاق لتحويل الحرف التقليدية إلى صناعة رقمية مستدامة    حماس تنفي موافقتها على تسليم سلاحها لهيئة فلسطينية مصرية تحت إشراف دولي    إيفرتون يحرم كريستال بالاس من وصافة ترتيب الدورى الإنجليزى بفوز +90    التعادل السلبي يحسم قمة يوفنتوس وميلان بالدوري الإيطالي    وزير التعليم ومحافظ الإسكندرية يفتتحان إدارة المنتزه أول و9 مدارس جديدة عبر الفيديو كونفرانس    وزارة الداخلية تضبط متهمًا سرق دراجة نارية بالغربية بأسلوب المغافلة    عمرو أديب بعد سرقة لوحة أثرية من مقبرة خنتي كا بسقارة: البلد مليانة آثار.. معرفش دي نعمة ولا نقمة    «شاهد على النصر».. صلاح عبدالرازق: استقبلت «عساف ياجورى» أسيرًا فى السجن الحربى    «أنا مش ظالم».. وزير العمل يرد على انتقادات تخفيض العلاوة الدورية من 7% إلى 3%    نائب وزير الصحة لشؤون السكان: «دليل سلامة حديثي الولادة» خطوة فارقة في حماية الأطفال    الديهي: جيل كامل لا يعرف تاريخ بلده.. ومطلوب حملة وعي بصرية للأجيال    عمران القاهرة.. بين السلطة الحاكمة ورأس المال وفقراء الشعب    «هفضل أدافع عن الأهلي».. شوبير يوجه رسالة لجماهير الزمالك قبل برنامجه الجديد    رونالدو يقرب الأهلي من مدرب أجنبي جديد    500 شاب وطفل من ذوي الهمم يشاركون في القافلة المجتمعية لوزارة الشباب بالمنيا    اجتماع ل «قيادات أوقاف الاسكندرية» لمتابعة ملحقات المساجد والمستأجرين (صور)    اليوم العالمي للمعلمين 2025.. دعوة لإعادة صياغة مهنة التدريس    لينك تحميل تقييمات الأسبوع الأول للعام الدراسي 2025-2026 (الخطوات)    المشدد 10 سنوات ل شقيقين بتهمة الشروع في قتل شخص آخر بالمنيا    تفاصيل جديدة في واقعة الفعل الفاضح على المحور    ماذا قال الجيش اللبناني بعد التحقيق مع فضل شاكر؟    «إوعى تآمنلهم».. 3 أبراج أكثر مكرًا    تامر فرج عن وفاة المخرج سامح عبد العزيز: معرفتش أعيط لحد ما غسلته (فيديو)    بطولة منة شلبي وكريم فهمي.. التحضيرات النهائية للعرض الخاص لفيلم هيبتا 2 (صور)    مواقيت الصلاه غدا الإثنين 6 اكتوبرفى محافظة المنيا.... تعرف عليها    أذكار المساء: دليل عملي لراحة البال وحماية المسلم قبل النوم    مظهر شاهين عن «الفعل الفاضح» بطريق المحور: التصوير جريمة أعظم من الذنب نفسه    هل يجوز استخدام تطبيقات تركيب صور الفتيات مع المشاهير؟.. أمين الفتوى يُجيب    الرئيس التشيكي يضع الانتماء إلى الناتو والاتحاد الأوروبي في صميم مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة    وكيل وزارة الصحة يتفقد مستشفى كفر الشيخ العام ويؤكد: صحة المواطن أولوية قصوى    ارتفاع بورصات الخليج مدفوعة بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    هالاند يقود جوارديولا لانتصاره رقم 250 في الدوري الإنجليزي على حساب برينتفورد    أحمد عابدين يخطف الأضواء بعد هدفه في شباك شيلي بتصفيات كأس العالم للشباب    مباحث تموين الغربية تضبط 42 مخالفة في حملة رقابية خلال 24 ساعة"    سامح سليم: لا أملك موهبة التمثيل وواجهت مخاطر في "تيتو" و"أفريكانو"    دور المقاومة الشعبية في السويس ضمن احتفالات قصور الثقافة بذكرى النصر    ارتفاع حصيلة ضحايا الانهيارات الأرضية والفيضانات في نيبال إلى 42 قتيلا    إيمان جمجوم ابنة فيروز: اختلاف الديانة بين والدى ووالدتى لم يسبب مشكلة    جامعة بنها الأهلية تنظم الندوة التثقيفية احتفالاً بذكرى نصر أكتوبر المجيد    «القاهرة الإخبارية»: لقاءات القاهرة ستركز على تنفيذ خطة وقف إطلاق النار في غزة    تأجيل محاكمة 5 متهمين بخلية النزهة    مستشفى الغردقة العام تستقبل الراغبين فى الترشح لانتخابات النواب لإجراء الكشف الطبي    مبابي ينضم إلى معسكر منتخب فرنسا رغم الإصابة مع ريال مدريد    أفشة: مشوار الدوري طويل.. وتعاهدنا على إسعاد الجماهير    مجلس الوزراء يوافق على تقنين أوضاع 160 كنيسة ومبنى تابعًا ليصل الإجمالي إلى 3613 دار عبادة    رسميًا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة شهر أكتوبر 2025    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    شهيد لقمة العيش.. وفاة شاب من كفر الشيخ إثر حادث سير بالكويت (صورة)    إزالة 50 حالة تعدٍّ واسترداد 760 فدان أملاك دولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة ال27    وزير الصحة: تم تدريب 21 ألف كادر طبي على مفاهيم سلامة المرضى    وزير الدفاع الإسرائيلي: 900 ألف فلسطيني نزحوا من مدينة غزة نحو جنوبي القطاع    عشرات الشهداء في 24 ساعة.. حصيلة جديدة لضحايا الحرب على غزة    الأوقاف تعقد 673 مجلسا فقهيا حول أحكام التعدي اللفظي والبدني والتحرش    فاتن حمامة تهتم بالصورة وسعاد حسني بالتعبير.. سامح سليم يكشف سر النجمات أمام الكاميرا    «السبكي» يلتقي رئيس مجلس أمناء مؤسسة «حماة الأرض» لبحث أوجه التعاون    رئيس مجلس الأعمال المصرى الكندى يلتقى بالوفد السودانى لبحث فرص الاستثمار    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خناقة بالفصحى!

من الطبيعى أن تشغلنا اللغة وما يتصل بها من أسئلة وإجابات فى هذا العصر الذى خرجنا فيه من الحال التى كنا فيها طوال العصور التى مضت إلى ما نحن فيه الآن.
نحن كنا إلى عهد قريب ولاية أو مستعمرة تابعة للإمبراطوريات الدينية والدنيوية التى عرفتها المنطقة وعرفها العالم خلال العصور الماضية من القرن السادس قبل الميلاد إلى أواسط القرن الماضى، من إمبراطورية قمبيز إلى إمبراطورية الإسكندر، ومن اليونان إلى الرومان، ومن هؤلاء إلى البيزنطيين، ومن البيزنطيين إلى العرب، ومن العرب إلى المماليك والترك والإنجليز. وهذه ليست مجرد أسماء نذكرها فى دقيقة أو اثنتين، ولكنها غزوات، وحروب، وصراعات، وانقلابات، وهجرات، وتحولات حدثت فى ألفين وخمسمائة عام تغير فيها كل شىء فى حياتنا.. عقائدنا، وعاداتنا، ولغتنا، وأزياؤنا حتى وقفنا على أبواب العصور الحديثة نسأل أنفسنا: من نحن؟ مسلمون ومسيحيون؟ عثمانيون؟ مصريون؟ فراعنة؟ عرب؟ بل نحن لا نزال نطرح على أنفسنا هذا السؤال حتى الآن.
وإذا كنا حتى اليوم نسأل عن هويتنا، فمن الطبيعى أن نسأل حتى اليوم عن لغتنا: الفصحى أم العامية؟ هذا السؤال لم يكن مطروحا على اللغة وحدها وإنما المقصود منه أن نحدد هويتنا، فالمرء بأصغريه: قلبه ولسانه، وأن نعرف من نكون لنسير فى الطريق الذى يتفق مع شخصيتنا ويحملنا إلى أهدافنا.
ولأن العامية هى اللغة التى نتكلمها جميعا ونتخاطب فى حياتنا العملية، ولأن خصوصية اللسان المصرى وما فيها من إيقاعات وإشارات ظاهرة فيها أكثر مما هى ظاهرة فى الفصحى التى تتكلمها معنا بقية الشعوب العربية كان انحياز بعضنا للعامية، ودعوتهم للاكتفاء بها واتخاذها لغة كلام وكتابة.
ولأن الفصحى من الناحية الأخرى هى لغة القرآن الكريم والشعائر الدينية كان انحياز البعض الآخر لها وحلمهم الذى يراودهم بأن تكون هى لغة الكلام والمخاطبة، إضافة إلى كونها لغة الكتابة والقراءة.
ولأن العامية واقع والفصحى واقع آخر يتصادم الواقعان ويتصارعان ولا يستطيع أى منهما أن يزيح الآخر من طريقه وإن استطاع أن يوقفه ويمنعه من أن ينمو ويتقدم، ليس اليوم، بل منذ اليوم الذى دخلت فيه العربية البلاد المفتوحة وجرت على ألسنة الناس بلهجاتها المختلفة التى اتصلت وانفصلت وأصبحت فى النهاية لهجتين تتصارعان ويفرض هذا الصراع نفسه على اللغويين والمثقفين عامة فيخوضون فيه ويتحدثون عنه وينقسمون حوله، فمنهم أو أكثرهم ينحاز للفصحى، وبعضهم يدافع عن العامية. ولا يزال هذا الحديث متصلا حتى وصلنا إلى العصر الحاضر الذى أصبح فيه الصراع بين العامية والفصحى قضية الجميع دون أن ينتهى إلى نتيجة ودون أن يكسب منه أحد، وإنما الطرفان خاسران. العامية محرومة من الثقافة الرفيعة مرتبطة بالشارع، والفصحى محرومة من الحياة فى الشارع مرتبطة بالمسجد وحده. والسؤال: هل هو وضع طبيعى هذا الوضع الذى تقف فيه العامية والفصحى كل منهما فى وجه الأخرى؟ والجواب: لا، ليس طبيعيا، فالذى يصل هذه بتلك أكثر جدا من الذى يفصل بينهما. وهذا ليس مجرد انطباع، وإنما هو الحقيقة الموضوعية التى امتحنها اللغويون القدماء وأثبتوها فى مؤلفاتهم. ونحن نرى أن الفريقين المتخاصمين لا يستطيعان أن يصبرا على هذا الخصام طويلا أو يكونا وفيين له. أنصار الفصحى يمارسون معظم نشاطهم اليومى بالعامية. وأنصار العامية يمارسون معظم نشاطهم الثقافى والإدارى بالفصحى. ومع هذا يظل الصراع دائرا مشتعلا.
أنصار الفصحى يظنون أن العامية كانت فصحى ودب إليها الفساد على ألسنة العوام الأميين. وأنصار العامية يظنون أن الفصحى كانت عامية، أى كانت لغة حياة يومية، لكنها طردت من على الشفاه وسجنها العلماء والفقهاء فى ماضيها البعيد. وهذه كلها تخيلات لا سند لها. فاختلاف العامية عن الفصحى ليس فسادا أصاب الفصحى، وإنما هو سمات خاصة تميزت لها اللهجات القديمة وظلت حية على ألسنة أصحابها أبناء القبائل العربية الذين دخلوا مصر وغيرها من البلاد ونشروا لغتهم فيها. أما الفصحى فهى لغة حديثة نسبيا مستخرجة من هذه اللهجات القديمة التى ألف بينها اللغويون وحددوا معجمها واستنبطوا قواعدها اعتمادا على النصوص التى تمثلت فيها اللهجات التى فرضت نفسها وأصبحت لغة جامعة نظم بها الشعراء القدماء قصائدهم ونزل بها القرآن الكريم.
لكن هذه اللغة المثقفة الجامعة التى تبنتها قريش لم تقض على اللهجات الأخرى التى ظلت حية على ألسنة العامة نتهمها بالفساد وهى فى معظمها لغة صحيحة وعربية أبا عن جد. فإن كانت فيها عناصر من لغات أخرى دخلتها، فهذا حدث أيضا للفصحى. ومن الذى كان يظن أن الكلمات والعبارات العامية التى قدمها لنا محمود تيمور فى حديثه عن مشكلات اللغة كلمات وعبارات فصيحة؟
أنا تشككت حين قرأتها أول مرة وأسرعت إلى المعاجم أبحث عنها ففوجئت بأنها فصيحة بالفعل وأن عاميتها ليست إلا ميزة مضافة إلى فصاحتها. والأستاذ تيمور يقدم لنا نماذج من هذه العامية الفصيحة منها هذا الحوار الذى يدور بين امرأة وزوجها.. تقول له:
يا مدعوق.. يا موكوس.. يابايخ.. يا خباص.. يا مسخوط.. خصلتك وحشة.. وكلامك كلام عيال.. وانت مالك؟ إيش حشرك؟ ما لعقلك؟ دائما تحب تلُكّْ!
فيجيبها الرجل:
اسكتى يا حرمة.. زهقتينى.. طلّعتِ روحى.. سديتِ نفسى.. يا حفيظ! كلامك ينشف الريق.. انجرّى من قدامى لا ألعن لك أسلافك.. كفاية.. هُسّ! بس!
وأعود فى النهاية إلى ما بدأت به وألخصه فى كلمات، فأقول إن فهمنا الصحيح لقضية اللغة وتوفيقنا بين عاميتها وفصحاها يساعدنا على فهم أنفسنا وعلى تفسير ما نقف أمامه فى تاريخنا متسائلين.
لمزيد من مقالات ◀ بقلم: أحمد عبدالمعطى حجازى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.