تبدو هولندا منذ الوهلة الاولى لزائرها أنها بلد مغاير فى كل شيء تقريبا لنظرئه فى أوروبا، على الصعيد السياسى والجغرافى والحضارى والاقتصادى والثقافي، وهى بلد يستحق التوقف أمام تجربته بالفحص والدرس واستخلاص العبر والاستفادة من الإيجابيات وهى كثيرة لتطبيقها ومحاكاتها فى بلدنا مصر، ولكى نقف على التجربة علينا أن نعود بالتاريخ إلى نحو قرن من الزمان، عندما كانت هولندا مستعمرة إسبانية، وخاضت حروبا استمرت ثمانين عاما (1568- 1648) ودفعت من أجل استقلالها مائة الف قتيل، وبدأت بعد الاستقلال مرحلة بناء الدولة ، متحدية ظروفها الاقتصادية والجغرافية، فهولندا التى كانت تسمى أرض الغابات أو أرض الخشب، واسمها الأشهر الذى تنتسب اليه الأرض المنخفضة، لم تقف عاجزة أمام طبيعتها ومحدودية مساحتها الجغرافية، التى تبلغ 41,5 الف كم مربع ومن عجب أنها تقل بنحو أربعمائة الف كم مربع عن مساحة محافظة الوادى الجديد ، كما أن عدد سكانها 17 مليون نسمة، مايعنى انها أقل من العاصمة المصرية وحدها بنحو خمسة ملايين، لكنها حددت لنفسها نظاما يمنحها تميزا بين قريناتها، ويمكنها من الارتقاء خطوات واسعة فى عالم التأثير الاقتصادى ومن ثم السياسي، اذ استفادت من طبيعتها وجودة أراضيها فى الزراعة فباتت ثانى أكبر مصدر للمنتجات الزراعية فى العالم مثل البطاطس والبنجر والورد الذى يزرع فى احواض زجاجية لقلة الاراضى الزراعية التى تمثل 28 بالمئة من المساحة الكلية، وتقول الاحصائيات أن ربع صادرات الطماطم فى العالم وخمس صادرات التفاح من هولندا، وهى ايضا من كبار مصدرى الاخشاب وكل هذا يدر عليها 55 مليار دولار سنويا، وهو مايمكن أن تنافس فيه مصر بعد مشروع الصوب الزراعية، ولدى هولندا ميناء روتردام أكبر ميناء فى العالم وهو بوابة غرب اوروبا، وتملك من المعادن الغاز الطبيعي، وهو مايشكل الجزء الأهم فى اقتصادها، وتفاخر هولندا بأن إحدى مدنها تسمى عاصمة القانون العالمي، فى اشارة إلى لاهاى التى تضم محكمة العدل الدولية ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية ووكالة التعاون القضائى الأوروبى ووكالة الاستخبارات الجنائية الاوروبية. وتعد هولندا واحدة من الدول متعددة الأعراق والثقافات يتعايش فيها الناس بمختلف عقائدهم وأعراقهم حيث يمثل ابناء البلد الاصليون النسبة الغالبة وتقدر بنحو 87 بالمئة والاتراك 2,5 بالمئة وكذلك المغاربة ويقطنها نحو 35 الف مصري، كما ذكر لى السفير أمجد عبد الغفار سفير مصر فى هولندا، بعضهم جاء لطلب العلم فى جامعاتها، ورغم مساحة هولندا الصغيرة ووجودها تحت سطح البحر وخوفها من غضب الطبيعة، قامت حكومتها بعمل العديد من الكثبان الرملية فى البحر والسدود النهربة لتصد العواصف وتمنع الفيضانات وهى تجربة تستحق التوقف أمامها كونها تتشابه مع ما يحذر العلماء من وقوعه فى منطقة الدلتا بشمال القاهرة، وإذا توقفنا أمام الجالية المصرية فسنجد مايسرنا حسب وصف السفير، فهى واحدة من أفضل الجاليات تعيش فى سلام ولا تصدر مشكلات كغيرها من الجاليات ويحظى أبنائها بترحاب أهل البلد وحكومتها، كما أن الكنيسة المصرية لها دور بارز فى تقديم صورة ذهنية متميزة عن مصر وأهلها وحضارتها ، وتقوم الى جانب دورها الدينى فى تعليم أبناء الجالية المولودين فى هولندا اللغة العربية يومى الإجازة الأسبوعية، وهو مايستحق تعميمه فى كل أوروبا لربطهم بلغة بلدهم الأم ويكفل تعزيز انتمائهم وربطهم بجذورهم، كما أن عددا كبيرا من أبناء الجالية باتوا من رجال الأعمال المعروفين فى هولندا ويمكن ترجمة قصص نجاحهم الى أعمال درامية مثلما حدث فى فيلم همام فى امستردام، ومن بين هؤلاء المهندس أشرف غالى وعلى شاور اللذان يفاخران بأنهما اجتهدا وجاهدا من أجل تحقيق ذواتهما، لكنهما توقفا عند نقطة أجمعا عليها، تتمثل فى أن مايقوم به الشاب المصرى فى بلاد أوروبا من جهد ومثابرة لو أنه بذله فى بلده مصر هذه الأيام التى تشهد انطلاقة مشروعات قومية تفتح باب العمل لكل مجتهد وصاحب فكرة لما احتاج الشباب الى السفر، ما جعل الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة يطالبهما بالتحدث عن تجربتهما مع الشباب المصرى من خلال ندوات تعقد أثناء وجودهما فى مصر. وكان الوزير التقى عدد من الشباب الذين يمثلون أجيالا مختلفة بعضهم سافر من مصر والبعض الآخر ولد هناك لأبوين مصريين أو أب مصرى وأم هولندية، وتطرق الحديث عن الوطن وطموحاته وحاجته إلى شبابه المبتكر والطموح والباحث عن بناء مستقبله وتطوير بلده ليواكب التطور العالمي، ونقل الوزير صورة عما يجرى فى مصر من حركة دءوبة يقودها الرئيس السيسى وتفتح المجال أمام الشباب لتبوؤ مواقع المسئولية، ودعا الشباب الى استثمار هذا الظرف التاريخى ونقل إيجابيات التجربة الهولندية إلى مصر لكى تعم الفائدة. لمزيد من مقالات أشرف محمود