هل لم يعد الأمريكيون يهتمون بسمعة سلاحهم فى العالم فى مواجهة السلاح المنافس؟ أم أن هناك مدرسة جديدة لا تأخذ بحجة وزير خارجيتهم الأشهر هنرى كيسنجر، عندما أعلنها صراحة للسادات فى عز حرب 1973، وزعم بأن مساندة أمريكا إلى آخر مدى لإسرائيل قائمة على حرص أمريكا على سمعة سلاحها، وحتى لا يقال إنه خسر أمام السلاح السوفيتى، وقال إن هذه مسألة على أقصى درجة من الأهمية لأمريكا فى موقفها فى الصراع العربى الإسرائيلى بغض النظر عن طبيعة الصراع! وكما ترى، فإن هذا الكلام يتناقض تماماً مع التصريحات الصادرة هذه الأيام من أعلى السلطات فى أمريكا، من الرئيس ووزيرى الدفاع والخارجية وغيرهم، وكذلك من حلفاء أمريكا التاريخيين الذين يهمهم تحقيق مستهدفاتها، عن وجوب أن توقف السعودية حربها فى اليمن، فى حين أن السعودية تحارب بسلاح أمريكى سوف يتعرض فى حال الانسحاب إلى أن تسوء سمعته فى مواجهة السلاح الإيرانى فى يد خصوم السعودية!! وهذا يؤكد إما أن أمريكا غيرت موقفها فيما يخصّ أن سمعة سلاحها أمام الخصوم تحتل الأولوية الأولى، وإما أن كيسنجر كان يكذب ويناور لإخفاء الأسباب الحقيقية! لقد صدّق كثير من السياسيين والمثقفين المصريين والعرب كلام كيسنجر، وتورطت أجيال منهم فى تحليلات قائمة على التسليم بصحته، بل صدرت قرارات مصيرية كان هذا الافتراض مرجعيتها، ثم إذا بالموقف الجديد يأتى ليغير الرؤية، بما يلقى الضوء على الآثار المتعددة لمناورة كيسنجر فى التمويه على الأسباب الحقيقية للمساندة الأمريكية المطلقة لإسرائيل، وكذلك فيما ترتب على تصديق العرب لكلامه، بما لا يُستبعد أن يكون، ضمن أسباب كثيرة، محرضاً جعل العرب يتخلصون من السلاح السوفيتى ويلجأون إلى اعتماد السلاح الأمريكى، طوال أكثر من أربعة عقود، بوهم أن هذا يمكن أن يجعلهم أقرب إلى أمريكا فى حساباتها! ربما يكون من الحكمة عدم التركيز على التصريحات الأمريكية بأكثر مما تستحق، مع التمعن، فى كل وقت، فيما يمكن أن يكون أسباباً حقيقية لما يجرى فى مطبخهم السياسى. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب