أعود لأكتب مقالة الأربعاء بعد الإجازة السنوية التي تمنحها الأهرام لكتابها دون أن يطلبوها طوال شهر رمضان, وتمنحها بالتالي لقرائها الذين تري الأهرام أو المسئولون عن ادارتها أن أحد عشر شهرا من الكتابة في قضايا الثقافة والسياسة والأدب والفكر تكفي وأنهم يستحقون في رمضان أن يرتاحوا هم ومن يكتبون لهم من مناقشة قضايا الساعة وأن ينعموا بالمتعة الروحية التي يجدها الصائم وهو يقرأ ما ينشر في رمضان مما يتصل بأمور الدين وذكريات ماضيه وهموم حاضره. لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن. فنحن لم نشعر بالراحة في رمضان ولم ننعم بها,, وإنما تكأكأت علينا الحوادث في الشهر الكريم أي توالت واجتمعت من الداخل والخارج, وحاصرتنا بالمخاوف, وأمطرتنا بالأسئلة, وحرمتنا من التمتع بالنعيم الروحي المنتظر. وكيف يكون هذا النعيم؟ وكيف يكون التمتع به؟ والفتنة الطائفية لاتهدأ في دهشور حتي تشتعل في البحيرة, وسوهاج بعد أن جن جنونها في امبابة, ونجع حمادي, والعامرية, ثم لاشيء يتغير كأن شيئا لم يحدث, حتي التعليقات الغبية والتطمينات الكاذبة التي تتحدث عن نسيج واحد لم يعد للأسف نسيجا واحدا خلال العقود الماضية, وإنما تعرض لمن مزقوه حين خلطوا الدين بالسياسية والذين خلطوا السياسة بالدين. وكيف كان لنا أن ننعم بالراحة في رمضان والارهاب الدموي يستعيد نشاطه كأنه يري أن المناخ صار مهيأ لاستقباله, وأن العيون أصبحت مغمضة, وأن بعض العيون تتجسس له وتفتح الطريق, وبعض الأيدي تمتد له من شرق مصر ومن غربها, ومن بعض الدول وبعض الجماعات بالمال والسلاح, وبالخطب والفتاوي, وبالاعلام السوداء التي ارتفعت في ميدان التحرير قبل أن ترتفع في رفح علي جثث الضحايا المغدورين من الجنود والضباط الذين قدموا من قراهم ومدنهم يحرسون حدودنا ويرفعون علمنا ففوجئوا برصاص الارهابيين الجبناء ينهال عليهم وهم يتناولون فطورهم في مغرب رمضان. فإذا كان بوسع الارهابيين أن يصنعوا ما صنعوه مع جنود مدربين مسلحين متأهبين لملاقاة العدو وصد العدوان فماذا بوسعهم أن يصنعوا معنا نحن المواطنين العزل المجردين من السلاح الساعين في كسب الرزق أو الراكنين للراحة في بيوتنا ظانين أننا آمنون محروسون؟ وإذا كان باستطاعتنا أن نفهم الخطر الداهم المتمثل في الجماعات الدينية المتوحشة المزودة بما يلزمها من الجهل والحقد والمال والسلاح وأن نتوقعه, كيف يكون بوسعنا أن نفهم الخطر غير المتوقع المتمثل في مؤسسات دولتنا التي ننام ملء جفوننا ونحن علي ثقة أنها ستهب لنجدتنا إذا تعرضنا لخطر أو مكروه فلم تهب هذه المؤسسات لنجدتنا, بل تركتنا محاصرين بين نيران الارهابيين من ناحية وعجزها هي المخزي أو تواطئها من ناحية أخري؟! ثم هذه الهجمة البربرية المتمثلة فيما أطلقه خلال الأيام الأخيرة بعض الشيوخ من فتاوي دموية يكفرون فيها المعارضين لسلطة الاخوان ويهدرون دماءهم؟! تتنادي بعض القوي والشخصيات السياسية للتظاهر ضد حكم الاخوان, وهذا حق من حقوقهم, لأن المعارضة في النظم الديمقراطية حق, وكما أن من حقنا أن نعارض بالكلمة المنطوقة والكلمة المكتوبة فمن حقنا كذلك أن نعارض بالتجمع والتظاهر والاعتصام. غير أن عددا من الشيوخ المحترفين والهواة انبروا يدافعون عن رئيس الجمهورية الذي لم يعد في حاجة لمن يدافع عنه, بل نحن المحتاجون الآن لمن يدافع عنا بعد أن تمكن هو من الانفراد بالسلطة والجمع بين التشريع والتنفيذ, فهو وحده الذي يقول الآن, وهو وحده الذي يفعل, والدولة كلها في يسراه, وجماعة الاخوان في يمناه, وليس لنا نحن إلا الله! فإذا كان هؤلاء الشيوخ المحترفون والهواة يعتقدون مع ذلك أن من واجبهم أو من مصلحتهم الدفاع عن الدكتور مرسي فليدافعوا عنه, ولكن ليس من حقهم أن يهاجموا المعارضين أو يكفروهم ويهددوهم كما فعل عضو في لجنة الفتوي بالأزهر يسمي هاشم علي إسلام كفر الداعين للتظاهر بعد غد الجمعة, ووصفهم بأنهم خوارج, وطلب من المصريين مقاومتهم حتي قال فض فوه فإن قتلتموهم فلا دية لهم ودمهم مهدر! وينفعل النائب السابق محمد أبوحامد وهو يهاجم دولة الاخوان ويدافع عن مصر, وعن الهوية المصرية التي يحاول المتطرفون الاسلاميون طمسها فيقول إنه يعتبر القاهرة أقدس من القدس والهرم أقدس من الأقصي, فيغضب الشيوخ ويتهمونه بالكفر والخيانة! وباستطاعتي أن أفهم غضب الذين أغضبتهم تصريحات محمد أبوحامد, فلاشك في أن المصريين جميعا, مسلمين ومسيحيين يقدسون مدينة القدس بمساجدها وكنائسها لكني أستطيع أن أفهم أيضا تصريحات محمد أبوحامد التي أراد بها صاحبها أن يرفع من شأن الوطن لا أن يقلل من شأن الدين, غير أنه انفعل وغلبته حماسته ففاضل بينهما وهما طرفان لا يقبلان الدخول في المفاضلات, لأن كلا منهما له مكانه الذي لا يزاحمه فيه الآخر. الدين لا يزاحم الوطن, لأن الوطن فسيح يتسع لكل دين, ولأنه المكان الذي تشغله حياتنا المشتركة. والوطن لايزاحم الدين, لأن الدين هو المجال الذي يتصل فيه كل منا بخالقه. لهذا لا أجد غضاضة في أن يقدس المصريون مصر أو يقدسوا الهرم, وأن يرفعوا أصواتهم أمام مصر وأمام الهرم بالتكبير والتهليل كما فعل شاعرهم وأمير شعراء العربية يوم عاد إلي مصر من منفاه فقال: وياوطني, لقيتك بعد يأس كأني قد لقيت بك الشبابا ولو أني دعيت لكنت ديني عليه أقابل الحتم المجابا أدير إليك قبل البيت وجهي أي قبل البيت الحرام إذا فهت الشهادة والمتابا! والشيوخ الذين يكفرون اليوم محمد أبوحامد بغير حق لأنه عبر بانفعال عن عواطفه الوطنية لم يفتح الله عليهم بكلمة استنكار حين سمعوا المرشد السابق لجماعة الاخوان يستخف بمصر التي لاتعني له إلا ما يعنيه اللفظ القبيح الذي رد به علي من سألوه عن مصر فقال: طظ! وأنا لا أجد فرقا بين الارهاب بالفتوي الدينية والارهاب بالآر. بي. جي. لا أجد فرقا بين الملثمين الذين قتلوا جنودنا في رفح والمعممين الذين يدعون لقتل المعارضين والمتظاهرين, لا أجد فرقا بين التكفيريين الذين هاجموا قسم العريش والمتطرفين الذين يطارون خالد صلاح, وعادل حمودة, وعبد الحليم قنديل, وإسلام شلبي, وتوفيق عكاشة وسواهم من الصحفيين والاعلاميين الذين يتصدون لمحاولة اختطاف الدولة ويمارسون حقهم في النقد والمعارضة. وفي مواجهة هذا الشر, كيف كان بوسعنا أن ننعم بالراحة في رمضان؟! وكيف يكون بوسعنا أن نكتب بحرية؟! المزيد من مقالات أحمد عبد المعطي حجازي