* التوازن بين العمل والعبادة ضرورة حتى لا تضيع مصالح الناس أكد الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، أن الصوم تربية روحية للجميع، ولدينا خطة متكاملة لتلبية احتياجات المسلمين فى العالم من دار الإفتاء خلال شهر رمضان، وأن التوازن بين العمل والعبادة خلال الشهر الكريم، ضرورة حتى لا تضيع مصالح الناس. وطالب الآباء والأمهات بأن يعودوا أبناءهم على الصيام، كما كان يفعل الصحابة رضوان الله تعالى عنهم، لتدريب الأطفال على عبادة الصوم لكى يعتادوا عليها. وقال مفتى الجمهورية فى حواره مع «الأهرام»، أن دار الإفتاء أعدت خطة دعوية متكاملة لتلبية احتياجات المسلمين. وأوضح الدكتور شوقى علام أن لجوء المواطنين للعلماء المتخصصين يسهم فى مواجهة ظاهرة «فوضى الفتاوى» .. والى نص الحوار:
رمضان موسم للطاعات فكيف يتم التزود منه؟ شهر رمضان مرحلة إيمانية يجب أن يتزود المسلم قبلها بالأخلاق التى تعينه على الصوم وتحقيق الغاية الكبرى من هذه العبادة المباركة، لا بد أن تكون هناك مقدمات قبل شهر رمضان، متمثلة فى مجموعة من الطاعات توافرت فى شهرى رجب وشعبان، وأن هذه الشهور بها محطات إيمانية ينتفع بها المسلم، ففى شهر رجب كانت رحلة الإسراء والمعراج، وفى شعبان كانت ليلة النصف من شعبان، وفى رمضان ليلة القدر، وهى محطات إيمانية عظيمة يمر بها المسلم، إننا بعد الرحلة الإيمانية التى مررنا بها فى رجب وشعبان نقبل على رمضان بدفعة إيمانية كبيرة، والمسلم فى شعبان يقدم كشف حساب لأعماله طوال العام، فإن كانت خيرا شكر الله تعالى على توفيقه على الطاعة، وإن وجد تقصيرا ومعصية نظر إلى أعماله واستغفر ربه وتاب، حتى يدخل رمضان وقلبه مضيء وفيه كل المعانى الروحية الطيبة. وما درجات الصيام؟ الصوم تربية روحية للجميع، وللصيام درجات، منها صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواص الخواص، وهذا أعلاها منزلة، لا يصل إليها إلا كل من سما بنفسه وروحه وطهر قلبه ونفسه من رذائل الأخلاق، والصوم عبادة سرية لا يطلع عليها أحد غير الله تعالى، ولا يستطيع أحد الاطلاع عليها؛ لذلك قسمه العلماء على مراتب، منها الظاهر: وهو الأكل والشرب وسائر الشهوات، وهذا صوم العوام، ومنها الباطن: وهو أعلاها، حيث يتعهد القلب وينقيه من أدرانه؛ لأن الإنسان كلما ارتقى عن المباحات وعن كل ما حرم الله يرتقى شيئا فشيئا إلى صوم الخواص، وهو أعلى درجات الصوم وفيه تخلص النفس الإنسانية إلى أعلى درجاتها، لذا علينا فى رمضان أن نغير من سلوكياتنا وأفعالنا السيئة إلى الأعمال الحسنة والإيجابية، فيكون لهذا مردود على كل من يحيط بنا. وماذا تقول لمن يتكاسلون عن العمل فى شهر رمضان وعدم تحقيق التوازن بين العبادة والعمل؟ يجب علينا ترتيب أولوياتنا فى رمضان، فلا يجوز تقديم السنَّة على الواجب، ولا يجوز أن نسرف فى السنَّة ونضيِّع الواجب، وعلى المسلم أن يوازن بين العبادة والعمل، فلا يسرف فى صلاة التراويح ليلا وقراءة القرآن ثم يذهب إلى العمل صباحًا مجهدًا ولا يؤدى عمله على الوجه الأكمل فيضيع بذلك مصالح الناس. البعض يجتهد فى الطاعة خلال رمضان فقط دون غيره من الشهور .. كيف ترى ذلك؟ فريضة الصوم جاءت مرتكزا للعام كله، فيجب أن يستعد لها المسلم قبل أن يؤديها، والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستعدون قبل دخول الشهر الفضيل، ويدعون الله تعالى أن يبلغهم رمضان، وبعد أن ينقضى الشهر يدعون اللهَ تعالى أن يتقبل منهم، ولشهر رمضان خصوصية عن شهور العام، فهو موسم للطاعة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعجل قدوم رمضان ويدعو الله بقوله «اللهم بلغنا رمضان»، لأجل استعجال الطاعة، ولم يحرص على استعجال الزمن حرصه على رمضان؛ لما للشهر الكريم من فضائل وخصوصية، ومن توفيق الله تعالى للعبد الاستمرار على الطاعة والتوفيق لها وأداؤها كما ينبغى بعد شهر رمضان، فشهر رمضان يحدث التوازن لدى المسلم؛ لأن الصوم جاء لغذاء الروح حيث تنتفع به الروح، كما ينتفع الجسد بالطعام. يحرص الناس على التفقه فى أمور دينهم ومعرفة كل ما يتعلق بهذا الشهر الكريم، ولكن ما زال هناك بعض من غير المتخصصين يفتون فى الفضائيات .. كيف نواجه هذه الظاهرة؟ للأسف كثير من الناس لا يدرك أن الفتوى أمر يتعلق بالعمل، والتفريق بين المسائل والقضايا وبين الرأى والفتوى وإجابة السؤال أمر مهم جدًّا، لذا دائما ما أطالب جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بضرورة وضع ميثاق شرف لمواجهة مثل هذه الظاهرة من الفوضى فى الفتاوى، والتى تصدر عن غير المتخصصين فى مجال الإفتاء، كما أدعو الجميع إلى ضرورة لجوء المواطنين إلى المتخصصين والعلماء عند الحصول على الفتاوى، أما ما يخص فتاوى شهر رمضان الكريم فقد أصدرنا فى دار الإفتاء طبعة جديدة من كتاب الصيام، والذى يضم الكثير من أحكام الصيام، والمعاملات والأحكام الشرعية فى شهر رمضان وعيد الفطر المبارك، ويقدم الفتوى للمسلمين، بأسلوب عصرى يتماشى مع ما جدَّ من متطلبات عصرنا فى أمور حياتنا المختلفة؛ من عبادات، وأحوال شخصية، ومعاملات عصرية حلَّت بالمسلمين، بالإضافة إلى أنه يبين الإجابة عنها بأسلوب واضح شامل ومختصر، يستطيع القارئ المسلم من خلالها فهم الإجابة فهمًا عميقًا شاملاً، هذا بالإضافة إلى مشاركة علماء دار الإفتاء فى كثير من القنوات الفضائية، وأيضًا البث المباشر الذى نقوم به على الصفحة الرسمية لدار الإفتاء المصرية ونجيب فيها على كافة تساؤلات المتابعين. وماذا ستقدم دار الإفتاء أيضا للمسلمين هذا العام فى رمضان؟ لدينا خطة متكاملة لتلبية احتياجات المسلمين فى العالم من الإفتاء، تشمل العديد من البرامج والإجراءات للتواصل مع الجمهور بمختلف وسائل التواصل فى هذا الشهر الكريم، حيث سيكون هناك تكثيف ملحوظ للبث المباشر على الصفحة الرسمية لدار الإفتاء المصرية للإجابة على جميع التساؤلات التى تهم المسلمين خاصة فى أحكام الصيام، وكل ما يتعلق بالشهر الكريم، كما ستطلق الدار حزمة من الخدمات الشرعية التى تسهل عملية التواصل بين المفتى والمستفتى منها الخط الساخن لفتاوى الصيام الذى يعمل يوميا للرد على أسئلة المستفتين فى كل مكان بعشر لغات وكذلك صفحة الدار الرسمية على الفيس بوك، والتى تقدم هذا العام وجبة روحية متكاملة من فتاوى الصيام وأحكامه وآدابه وأخلاقياته عن طريق الفيديوهات المسجلة وخدمة البث المباشر، بالإضافة إلى كتاب الصيام ومطوية دليل الصائم والذى يجد فيهما المسلم كل ما يخص الصيام، وأيضا كما ذكرت سابقًا سيظهر علماء الدار فى عدد من القنوات الفضائية للرد على أسئلة المشاهدين. نريد من فضيلتكم أن ترشدنا إلى طريقة نعود بها أطفالنا على الصيام؟ على الآباء والأمهات أن يعودوا ابناءهم على الصيام، كما كان يفعل الصحابة رضوان الله تعالى عنهم، لتدريب الأطفال على عبادة الصوم لكى يعتادوا عليها، لذا أطالب الآباء والأمهات بوجوب ألا يرى منهم أطفالهم إلا الصدق والطاعة والهدوء؛ حتى ينشأ الطفل فى هذه البيئة الصالحة التى تعود عليه بما يجعله ينشأ تنشئة طيبة.
نصائح توجهها للأمة للاستفادة منها خلال شهر رمضان ؟
على المسلم أن يذكِّر نفسه دائمًا بأنه صائم حتى لا يضيع صيامه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّى صَائِمٌ إِنِّى صَائِمٌ»، وذلك ليذكر نفسه بالصيام لأجل ألا يقع فى المعاصي، كما أن فى ذلك تذكرة للآخر بأنه هو أيضًا صائم، فكما قلت إن الصوم تربية روحية للجميع، الغاية منها تهذيب النفوس ليتحقق الإيمان فيكون هو الدافع لتحقيق تعاليم الإسلام الحقيقية.