يقول الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، والتغيير ليس بالأمر الهين ولا اليسير، التغيير إرادة، التغيير عزيمة، التغيير ثقافة، التغيير أمر لا غنى عنه للأمم التى تسعى إلى تحقيق التقدم والرقى ، إذ لا يمكن لأحد أن يحدث نهضة أو نقلة بنفس الأدوات التى أدت إلى التخلف أو التدهور أو الجمود أو الفساد أو الإفساد. ويجب أن تصبح إرادة التغيير ثقافة مجتمع فى جميع مجالاته، فى الفكر، فى التربية، فى العمل، فى الإدارة، فى شتى مناحى حياتنا ومكوناتها ومقوماتها، يجب أن نغير سلوكنا، فيصبح الأصل العمل لا الكسل، والإتقان لا غيره، والشفافية لا الفساد، وتقديم الكفاءة لا الولاء، والعطاء قبل الأخذ، وربط الحافز ربطًا حقيقيًا بالإنتاج، والعمل بروح الفريق لا بأنانية الفرد، والانفتاح العقلى لا الجمود ولا الانغلاق، وأن نتحلى بالإيثار لا الأثرة، مع العمل لصالح الوطن، وإدراك أن الوطن يعلو بجهود جميع أبنائه، وأن أحدًا لا ينجح وحده، ولا يمكن أن ينجح وحده. يجب أن تصبح إرادة التغيير ثقافة وطن، وأن ندرك أننا قادرون، وأننا نستطيع ، وألا نستضعف أنفسنا، أو نستهين بقدراتنا وإمكاناتنا، فنحن بنو شعب عريق الحضارة، متجذر بها فى أعماق التاريخ لأكثر من سبعة آلاف عام، لم تتوقف يومًا، ولم تنقطع، فقد وضع فيها كل جيل لبنة من لبناتها، حتى صارت بنيانًا فريدًا، مكتملاً، مدهشًا للدنيا وللعالم بأسره، لا ينكر أثرها على الإنسانية ولا عظمتها إلا جاحد أو ناقم أو مكابر، على أنها سرعان ما ترد على الجاحدين جحودهم ونكرانهم ومكابرتهم، بإنصاف المنصفين، وبما تشعه على مر الأيام من نور، وما يتتابع اكتشافه من كنوز تكاد تكون لا متناهية، يجب ألا نعبأ بمن يهونون من قدراتنا أو يحاولون أن يفتُّوا فى عضدنا، أو ينالوا من عزيمتنا، أو يلقوا شباك اليأس والإحباط حولنا ، فنحن أمة لا تعرف لليأس ولا للإحباط طريقًا، ولا سيما أن علماءنا العظام يعدون اليأس والتأييس والإحباط والتحبيط من الكبائر، مستشهدين بحديث نبينا (صلى الله عليه وسلم): عن ابن عباس (رضى الله عنهما) أن رجلًا قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال (صلى الله عليه وسلم): «الشرك بالله والإياس من روح الله والقنوط من رحمة الله, من وقاه الله إياها وعصمه منها ضمنت له الجنة»، إرادة التغيير تتطلب أن نثق فى أنفسنا وفى أننا قادرون على أن نحدث تغييرًا، أن نحدث فارقًا، أن نحقق رقمًا عالميًّا يحسب له حسابه فى شتى المجالات، أن نعتمد على ذاتنا، على قدراتنا، على مواردنا، على إمكاناتنا، أن نرشد استهلاكنا، ونعظم إنتاجنا، ونعمد إلى إضافة لبنة جديدة بل لبنات عظيمة إلى بنائنا الحضاري، تحمل بصمتنا، وتشهد بأننا كنا هنا يومًا ما، وأننا كنا جديرين أن نحفر أسماءنا فى ذاكرة التاريخ الإنسانى وسجل حضارتنا المصرية العريقة. التغيير يتطلب أن نعيد اكتشاف أنفسنا من جديد بإمكاناتها الحقيقية وجيناتها الحضارية، وأن ننزع عنها أو منها أى فيروسات طارئة أو دخيلة للكسل أو الإحباط أو الإحساس بالعجز، فلسنا عاجزين ولم نكن يومًا كذلك، ولن نكون إن شاء الله، علينا أن نتمسك بالأمل، وأن نتشبث به ، وأن نعمل لتحقيقه ، فالأمل بلا عمل أمل أعرج لا يقوم على ساقين، وقد قال الحسن البصري: «إن قومًا غرَّهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم ، يقولون: نحسن الظن بالله، كذبوا والله، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل»، فنيل المطالب ليس بالأماني، ولا بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابًا واقتحامًا. لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف