لاشك فى أن زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين غدا إلى القاهرة، ومحادثاته مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، تأتى فى توقيت بالغ الحساسية، ليس فقط للتداعيات التى ترتبت على قرار الرئيس الأمريكى ترامب حول القدس، وإنما وبالأساس لما تشهده منطقة الشرق الأوسط كلها من تطورات وأزمات. كل من الدولتين، مصر وروسيا، تمثلان قوة كبيرة مما يستوجب التعاون بينهما، فمصر واحدة من القوى المؤثرة جدا فى الشرق الأوسط، وروسيا قوة كبرى عالميا تسعى إلى استعادة أدوارها الحيوية فى كل مناطق العالم، والتى كانت قد تعرضت فى وقت من الأوقات للتراجع والخفوت. ولذلك فإن العديد من المراقبين يذهبون إلى اعتبار زيارة بوتين ستمثل نقلة نوعية كبيرة فى مسار علاقات البلدين. الدولتان، مصر وروسيا، بينهما قاسم مشترك الآن هو البحث عن حلول سلمية لأزمات الشرق الأوسط، تحقيقا لمقتضيات الأمن القومى المصرى من ناحية مصر، ومقتضيات المصالح الروسية من ناحية موسكو. وسيكون من قبيل التكرار التذكير بما تمثله دول مثل سوريا وليبيا والعراق واليمن من أهمية قصوى للدولتين. بالاضافة إلى ذلك، فإن قضية فلسطين ستبقى قاسما مشتركا أساسيا للدولتين إذا ما وضعنا فى الحسبان أنها قضية مصر والعرب الأولي، وأن لروسيا تاريخا ودورا ممتدين فى التعامل مع تلك القضية منذ عشرات السنين، وهو ما يقتضى ضرورة التنسيق بين القاهرةوموسكو. فإذا أضفنا إلى ذلك قضية تصاعد الإرهاب وضرورة مكافحته من جانب الدولتين حفاظا على مصالحهما بالمنطقة فإن التشاور بين زعيمى البلدين يصبح حتميا. لكن فى كل الأحوال، يبقى ملف العلاقات الاقتصادية هو الملف الأبرز فى محادثات الرئيسين السيسى وبوتين. ومن ثم فإنه من المتوقع أن يتم تناول مشروعات الطاقة بكل أنواعها. وبطبيعة الحال فإن الأمر لا يقتصر على محطة الضبعة لإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، والتى تقيمها روسيا لمصر، بل سيشمل التعاون كذلك مساهمة الشركات الروسية فى التنقيب عن البترول والغاز. وليس خافيا ذلك التعاون من جانب الشركات الروسية الكبرى فى هذا المجال، مثل غاز بروم، ولوكويل، ونوفوتيك، مع مصر، سواء فى مياه البحر المتوسط أو الصحراء المصرية الشرقية، وغيرهما. وتدرك موسكو جيدا مدى ما تمتلكه السوق المصرية من فرص استثمارية هائلة، خاصة على ضوء ما يتم إنجازه فى مصر هذه الأيام من مشروعات قومية عملاقة، وتحديدا فى إقليم قناة السويس. ومن البدهى أن روسيا باعتبارها قوة اقتصادية لا يستهان بها على المستوى العالمى لن تفوت على نفسها امكانية المشاركة فى تلك المشروعات التى تنطوى على مكاسب هائلة فى قادم الأيام.