علي بعد أمتار قليلة من اعتصام المنصة بمدينة نصر.. وعلي بعد أمتار اخري من ميدان التحرير تعيش آلاف الأسر في مقابر الامام الشافعي والسيدة عائشة ومنشية ناصر وقايتباي . لايصل إلي هؤلاء هتافات الفريقين المنصة والتحرير ولايعرفون شيئا عن هتاف يسقط حكم العسكر أو الجيش والشعب ايد واحد.. ولايعرفون شيئا عن الاعلان الدستوري المكمل ولاتشغل نفسها بالبحث عن مستقبل مجلس الشعب المنحل. سكان هذه المقابر لايعرفون شيئا عن المصطلحات السياسية الثقيلة من عينة الدولة العميقة أو التوافق الوطني أو الطرف الثالث.. لايعرفون لغة الصراعات السياسية داخل هذه المقابر هناك صراع من نوع آخر.. صراع البحث عن الحياة والانتصار للقمة العيش.. داخل هذه الشوارع المظلمة مساء والمقفهرة صباحا لا اثر لما يري علي الساحة السياسية من اختلافات سوي بقايا الصور لمرشحي الرئاسة علي المقابر تقف في خجل كأنها تعتذر انها وضعت في المكان الخطأ.. هؤلاء لايشغل بالهم رئيس الحكومة المقبل, فعلي مدي سنوات طويلة تلقوا وعودا من كل الحكومات المتعاقبة لم يتحقق منها شئ.. ومع الأيام كانت مشاكلهم تتضاعف.. فهل يتغير واقع آلاف الأسر علي يد الرئيس محمد مرسي؟ بمجرد دخولي مساكن الامام الشافعي ومن داخل احدي المقابر خرج إلي محمد عثمان الرجل الخمسيني القادم من محافظة بني سويف قبل02 عاما بحثا عن الرزق واستقر به المقام داخل احدي المقابر مع عدد من اقاربه سألته عن المرشح الذي منحه صوته في انتخابات الرئاسة؟ فبدت علي وجهه علامات الدهشة ورد علي قائلا: لم امنح صوتي لأحد فنحن لانشغل بالنا بمثل هذه الأمور نحن نبحث عن لقمة العيش فقط وطعام الاولاد.. سألته عن مهنته ؟ أجاب عامل باليومية مع أول نور للصباح اجمع ادواتي واذهب للجلوس تحت كوبري السيدة عائشة بجوار عشرات الاشخاص كل منهم يحمل بين جنبيه مئات الشكاوي في انتظار الرزق القادم من خلال رجل أو سيدة او صاحب ورشة او صنايعي يحتاج لمن يساعده ومن الممكن ان تظل طوال اليوم واحيانا اسبوعا بدون عمل.. وبعد الثورة من الممكن أن اظل اعمل طوال اليوم وبعد انتهاء العمل يتركني صاحب العمل دون ان يحاسبني ويقول بأعلي صوته افغل ما تريد ولا اجد امامي سوي الشكوي لله. اضاف قائلا: الحكومة تعتبر كل من يعيش داخل المقابر امواتا ليس لهم حق في الحياة والسكن والمياه والكهرباء والعلاج فنحن نعاني منذ سنوات طويلة ولانجد حلا لهذه المعاناة سوي الشكوي لله. علي مقربة منا جلس شاب يدعي محمد احمد لاتختلف حياته كثيرا عن سابقه التقط طرف الحديث قائلا لو سألت الجميع هنا عن طبيعة حياتهم لن نختلف من شخص لآخر فالجميع هنا رجالا وسيدات وشبابا واطفالا معدمون لايبحثون سوي عن أكل العيش.. لاتتحدث عن التعليم أو الصحة أو الاحلام فهذه رفاهية لانبحث عنها فكل من يعيش وسط المقابر جاء لهدف واحد هو البحث عن اربعة جدران يعيش بينهما ولايعلم اذا كانت جدرانه مقابر او جدرانه منزل المهم السكن. سألته عن مهنته قال:عامل باليومية ولم اتلق اي نوع من التعليم فلا انا او والدي كان لدينا حرص علي هذا او مقدرة علي نفقات التعليم. سألته عن الثورة وهل كان معها او ضدها اجاب: انا اقدر ما فعله الشباب وكنت اتمني ان اذهب واقف معهم داخل ميدان التحرير واهتف بأعلي صوتي اسمعوا شكوي سكان المقابر فنحن اصحاب حقوق لدي الحكومة فنحن مواطنون مصريون, ولكن للاسف الشديد لايريد احد ان يسمعنا.. ولكنني أوجه صرختي للرئيس محمد مرسي واقول له بأعلي صوتي.. سامعنا ياريس.. نحن لانريد سوي العدل. اضاف قائلا: نحن نعيش هنا مثل الأموات اخشي ان اتعرض لنزلة برد او اي اذي فهذا معناه انني سأمرض والمرض يحتاج علاج والعلاج يحتاج للراحة والراحة معناها التوقف عن العمل.. والتوقف عن العمل معناها انني لن اجد الطعام أنا واسرتي هذه مأساة سألته وانا انصرف ماذا تريد من الرئيس الجديد قال العدل وتركني وانصرف. في احد الشوارع الضيقة بمقابر السيدة عائشة لم يختلف الواقع كثيرا فالمأساة واحدة بجوار احد الاكشاك الخشبية جلست السيدة احلام التي يختلف واقعها عن اسمها كثيرا وبجوارها عدد من الأطفال سألتها عن مطالبها من الرئيس الجديد قالت اقول تذكر سكان المقابر فنحن آلاف الاسر نعيش بدون اي حقوق في الحياة ونبحث عن الطعام والعلاج انظر إلي والدتي ثم اشارت بيدها لسيدة تجاوزت السبعين تجلس علي كرسي متحرك يقترب من الارض فوالدتي تعاني من الشلل وتحتاج علاجا ولا استطيع توفير الدواء لها. سألتها هل شاهدت احدا من مرشحي الرئاسة قبل إجراء الانتخابات يزور المقابر قالت لم اشاهد سوي صورهم التي علقها عدد من الأطفال علي جدران المقابر ولم اسمع ان احدا منهم قام بزيارة سكان المقابر فالجميع يعتبرون اننا اموات واضافت عندما يتم انقطاع الكهرباء او المياه ونقوم بالشكوي للحي يكون ردهم علينا ان نحمد الله ان الحكومة تتركنا نعيش مع الاموات, وانه ليس من حقنا الشكوي. اضافة كل ما اطلبه من الرئيس الجديد ان يوفر لنا سكنا مناسبا وعلاجا لوالدتي التي تعتبر في تعداد الأموات. الحال في مقابر منشية ناصر لايختلف كثيرا فالجميع في الهم سواء داخل احد الشوارع الضيقة وامام احد المقابر جلست توجة سيدة تجاوزت الاربعين سألتها عن مطالبها من الرئيس الجديد قالت ان يتقي الله فينا ويشعر بآلامنا ويحاول ان يوفر لنا حياة مقبولة فقد ظلمنا حسني مبارك سنوات طويلة ولم يشعر بنا. اضافت بعد الثورة لم يعد هناك أمن حيث نعاني من بطش البلطجية حيث يدخلون علينا ويستولون علي كل ما لدينا وعندما نقوم بالشكوي إلي قسم الشرطة تخبرنا الحكومة انتوا احرار مع بعض وكلكم بلطجية في بعض.. اتصرفوا. هذا هو واقع سكان المقابر الذي يتجاوز عددهم أكثر من ثلاثة ملايين يعيشون ظروفا مأساوية للغاية فهل يتغير خلال الفترة المقبلة في دولة العدل والمساواة وإعادة الحقوق أو يظل الوضع علي ماهو عليه حتي اشعار اخر.