ما هى اتجاهات الصحافة والإعلام فى أنحاء العالم وخاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والتطوير؟ سؤال هام أجاب عنه تقرير أكثر أهمية صادر عن منظمة اليونسكو حيث جاء مصحوبا بمجموعة من الإحصائيات والملاحظات ذات الدلالة. وقد تناول التقرير حالة الإعلام والصحافة فى العالم من عدة زوايا أولها تعلق بالحرية؛ فالصحافة والإعلام على مستوى العالم مازالا يتعرضان للقيود التشريعية المستمرة بما فى ذلك التشهير والإهانة والتجديف وقوانين مكافحة العيب فى الذات الملكية والخيانة. وارتفعت حالات حجب وتنقيح وتصفية وإغلاق مواقع الإنترنت من 18 حالة رسمية فى عام 2015 إلى 56 حالة عام 2016. وأدت الجوانب المتعددة المتعلقة بالحفاظ على الأمن القومى إلى الحد من المساحة الطبيعية لحرية التعبير. وعلى الرغم من كافة القيود وعمليات التضييق سابقة الذكر، فإن عدد الدول التى تبنت تطبيق قوانين حرية تداول المعلومات اتجه إلى الزيادة التدريجية من 90 دولة فى عام 2011 إلى 112 دولة بنهاية عام 2016 ما يعنى المزيد من الاعتراف بحق الجمهور فى الوصول إلى المعلومة. ولكن ذلك لم يحل دون ظهور تحد جديد يتمثل فى إثارة وسائل الإعلام الرقمية تحديات جديدة للخصوصية وحماية المصدر الصحفى. وثانى الزوايا التى تناولها التقرير تعلق بالتعددية ويقصد بها حالة التعددية فى المجال الإعلامى والصحفى. فقد تمت الإشارة إلى أن توافر المحتوى الإعلامى قد تزايد بشكل هائل وجاء جانب كبير من تلك الزيادة من خلال مشاركة المحتوى وما يقوم المستخدم بتحميله عبر وسائل التواصل الاجتماعى. وقد ساهمت عمليات تداول الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعى فى بروز ظواهر مثل "حجرات الصدى" و"فقاقيع التنقيح والفلترة" حيث يمكن للجماهير أن تفرض رؤاها ومعتقداتها بدلا من الحوار عبر الاختلافات. وقد زادت النسبة المئوية للأفراد القادرين على الوصول على شبكة الإنترنت من 34% من إجمالى سكان كوكب الأرض عام 2012 إلى 48% فى عام 2017. ولكن فيما يتعلق بمشاركة المرأة فإن الإحصائيات تشير إلى أنها مازالت تمثل امرأة واحدة فقط بين كل 4 من متخذى القرار فى مجال الإعلام. وإمرأة واحدة بين كل 3 مراسلين صحفيين. وإمراة واحدة بين كل 5 من الخبراء الذين تتم إستضافتهم فى وسائل الإعلام والصحافة لإبداء الرأى. وأظهرت الإحصائيات التراجع الواضح فى نسب وأرقام توزيع الصحف الورقية التقليدية فى أنحاء العالم باستثناء دول القارة الآسيوية والمحيط الهادى. وثالث الزوايا التى تناولها التقرير تعلق بحالة إستقلالية الإعلام والصحافة : فقد تراجع مستوى الثقة بالإعلام الإخبارى فى عدة مناطق فى العالم فى ظل حالة الاستقطاب المجتمعى الواضح بالعديد من المناطق، وتزايد اعتماد المؤسسات الإعلامية والصحفية على الدعم المقدم من الحكومات والشركات. وتسببت زيادة جهود التنظيم الذاتى التى قام بها وسطاء الإنترنت فى تعزيز محو الأمية الإعلامية والمعلوماتية ومواجهة الأخبار الوهمية ومعالجة إساءة استخدام الإنترنت. وتسببت زيادة الانتقادات التى توجهها الرموز السياسية للإعلام فى تشجيع الرقابة الذاتية وتقويض مصداقية الإعلام. وعلى صعيد آخر مازالت تراخيص البث مدفوعة بالمصالح السياسية والتجارية. أما الهيئات المختصة بالتنظيم الذاتى التى يمكنها أن تدعم ممارسة المعايير المهنية مع المحافظة على استقلال إدارة التحرير فقد تنامى دورها وخاصة فى الدول التى تمر بمرحلة ما بعد الصراع والدول النامية. أما رابع الزوايا التى تناولها التقرير فتتعلق بحالة أمن وسلامة الصحفيين الممارسين للمهمة؛ حيث تمت الإشارة إلى أن 530 صحفى قد تم قتلهم أثناء ممارسة المهنة خلال الفترة الزمنية بين عامى 2012 و2016 (166 منهم يعملون بمحطات تليفزيون و142 منهم بالصحافة الورقية و118 بالمحطات الإذاعية و75 للمواقع الإلكترونية على الإنترنت و29 بجهات متعددة تجمع بين الوسائل الإعلامية التقليدية والرقمية والتليفزيونية). وجاءت منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا العالم العربى، على رأس قائمة المناطق صاحبة أكبر عدد من القتلى حيث شهدت مصرع 191 صحفى وإعلامى خلال تلك الفترة !! وهو ما تم تبريره بحالة الصراع المتفجر فى المنطقة واتساع دائرة الصراعات المسلحة بها. ولوحظ أن 93% من الضحايا كانوا من الصحفيين والإعلاميين الذكور وأن 92% من الضحايا كانوا من الصحافة والإعلام المحلى. كما تم تسجيل تزايد نسبة الدول التى تستجيب لمطالب "اليونسكو" بشان حماية أمن وسلامة الصحفيين والإعلاميين. وتم التحذير من تزايد التهديدات فيما يتعلق بالسلامة الرقمية التى تشمل الهجمات الإلكترونية والمراقبة والقرصنة والتخويف والارتفاع فى نسب التحرش عبر الإنترنت. وهكذا بدا أن تركز العنف ضد الصحفيين والإعلاميين فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية تحديدا هو الأضخم على مستوى العالم، وهو أمر يرجع وباختصار إلى أن هناك من يريد تكميم الأفواه وغلق العقول ووقف عملية الإدراك لدى العقل الجمعى العربى على وجه التحديد تحقيقا للعديد من الأهداف "الشريرة" التى تبدأ بالسيطرة السياسية وصولا إلى السيطرة والهيمنة الكاملة على العقل والإرادة الخاصة بكل مواطن عربى!! وتحويل المنطقة من منتج ومصدر للرؤى والأفكار والتوجهات، ومن ثم الاستنارة والحضارة، إلى مستهلك صافٍ وعقل خاوٍ مستعد لاستقبال كل ما يتم إلقاؤه فيه من أفكار وتوجهات تخدم فى المقام الأول أصحاب المصالح من جماعات ودول وتكتلات أجنبية خارجية وهى فى مجملها حتى وإن كانت فى ظاهرها تحمل بريق الخير والتحضر تمثل ضررا شديدا على شعوب المنطقة ومستقبلها. لقد حانت لحظة استيقاظ العقل العربى بعد طول نوم.