وافق مجلس الوزراء أخيرا على مشروع اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الجديد رقم 72 لسنة 2017؛ وبذلك تكون الأطر القانونية المنظمة لهذه المسألة قد انتهت تقريبا، اذ صدرت العديد من التشريعات مثل قانون تفضيل المنتج المصرى وقانون الكهرباء رقم 87 لسنة 2015؛ وقانون تنظيم الضمانات المنقولة رقم 115 لسنة 2015؛ وقانون تيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية رقم 15 لسنة 2017؛ وغيرها من القوانين التى صدرت فى الآونة الحالية ناهيك عن بعض السياسات الأخرى مثل تحرير سعر الصرف وغيره، وكلها أمور تهدف إلى تهيئة البيئة للاستثمار الجاد وزيادة قدرة المستثمرين على تقدير العوائد والمخاطر الاقتصادية المتوقعة فى المستقبل مع تأكيد مبدأ الشفافية، ومراعاة المساواة بين الاستثمار المحلى والأجنبى بما يضمن إرساء مبدأ سيادة القانون وحماية حقوق الملكية وتنفيذ العقود والأحكام، وكذلك الالتزام بالاتفاقيات الدولية. مما يساعد على إزالة المعوقات التى تعوق قدرة بعض المؤسسات على الاضطلاع بمهامها. ويمكن الاستثمار (العام والخاص المصرى والأجنبي) من التفاعل مع آليات السوق والمنافسة فى ظل مناخ يتسم بالشفافية، وبالمزج بين المساندة والرقابة الفعالة من مؤسسات الدولة. وهو ما يؤدى فى النهاية إلى تسهيل بناء القواعد الإنتاجية وتعبئة الموارد المحلية واستخدامها أفضل استخدام ممكن من خلال التوسع المنظم والفعال فى بناء القواعد الإنتاجية، وذلك عن طريق إيجاد بيئة اقتصادية قوية ومستوى صناعى معقول ونمو زراعى يساعد على تلبية الاحتياجات الأساسية. والاستفادة المثلى من الطاقات المتاحة ومن المعروف أن الهدف النهائى من العملية الإنتاجية هو تحسين مستويات معيشة ورفاهية الأفراد، وهو ما لن يتأتى إلا عبر رفع معدل النمو والسير وفقا لمنهج التنمية الاحتوائية الشاملة» الذى يرى أن النمو وعدالة التوزيع وجهان لعملة واحدة وأن العدالة الاجتماعية تُعد قوة دافعة للنمو الاقتصادي. حتى نتمكن من علاج المشكلات الجوهرية فى المجتمع ونقصد بها تحديدا البطالة والفقر والتضخم. وذلك مع تسليمنا الكامل بأنه على الرغم من أهمية النمو كشرط ضرورى لتحقيق التحسن فى مستويات المعيشة والتخفيف من حدة الفقر وزيادة معدلات التشغيل ، فإنه وحده لن يكون كافيا لتحقيق ذلك. حيث إن ارتفاع معدل النمو لا يترجم تلقائيا فى رفاهية الافراد والمجتمع ، بل يجب أن يكون مصاحبا معه اجراءات وسياسات تهدف الى عدالة توزيع ثمار النمو على شرائح المجتمع المختلفة، وهو ما لم يحدث فى الحالة المصرية خلال الفترات الماضية، إذ أنه على الرغم من المعدلات المرتفعة فى النمو التى تحققت خلال الفترة السابقة على ثورة الخامس والعشرين من يناير، فإن معظم المجتمع لم يشعر بها ولم تتحسن أحوال معيشتهم نتيجة لسوء توزيع عوائد النمو المتحققة وبالتالى أضحى من الأهمية بمكان العمل على رفع معدل النمو مع ضمان التوزيع العادل لثماره. ورغم أن الاقتصاد المصرى بدأ فى استعادة وتيرة النشاط خلال العام الأخير، ليصل معدل النمو إلى 4.2% فإن هذا المعدل مازال أقل جداً من المعدلات المستهدفة حيث أجمعت جميع الدراسات العلمية على أن إحداث العملية التنموية المطلوبة لامتصاص البطالة والحد من الفقر يتطلب معدل نمو سنويا بما يتراوح بين 7 - 9% سنويا وهو ما يحتاج إلى معدل استثمار يتراوح بين 25% و30% بينما معدل الاستثمار الحالى لا يتعدى 15% من الناتج المحلي، مع ضرورة الاهتمام بنوعية هذه الاستثمارات. وتجدر الإشارة إلى أن الاستثمار الكلى فى مصر عبارة عن استثمارات عامة (تتضمن الحكومة والهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام والقطاع العام) واستثمارات خاصة يقوم بها القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية وتختلف العوامل المحركة لكل منهما وهنا تشير الإحصاءات إلى أن إجمالى الاستثمارات المنفذة قد ارتفع من 349 مليار جنيه عام 2014/2015 الى نحو 408 مليارات عام 2015/2016 ومن المقدر أن يصل إلى 530 ملياراً عام 2016/2017 مع ملاحظة تراجع معدل النمو فى هذه الاستثمارات من 20% إلى 16% خلال الفترة نفسها وعلى الرغم من ذلك فقد زاد إسهام الاستثمار فى النمو من 12% عام 2014/2015 إلى 18% عام 2016/2017 وارتفع نصيب القطاع الخاص من هذه الاستثمارات من 186 مليار إلى 300 مليار خلال الفترة نفسها. وعلى الجانب الآخر مازال القطاع الخاص يسير فى ركاب الاستثمارات العامة دون ان يبادر بالولوج إلى مجالات استثمارية مختلفة تساعد على رفع معدلات النمو، وهنا يأتى الحديث عن الاستثمار الأجنبى المباشر الذى يسد الفجوة بين الاحتياجات الاستثمارية وقدرة المجتمع داخليا على تمويلها وذلك فى ضوء الانخفاض الشديد فى معدل الادخار المحلي. وللأسف فغالبا ما يتم الحديث عن هذه الاستثمارات بطريقة غير صحيحة حيث يتم الخلط بين اجمالى الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة للبلاد والصافي، وتنبع أهمية هذه المسالة فى ضوء الواقع المصرى المعاش إذ انه على العكس من الانطباع السائد هناك زيادة فى حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة للبلاد التى ارتفعت من 10.3 مليار دولار عام 2012/2013 الى 134 مليار عام 2016/2017 بينما على الجانب الاخر انخفضت قيمة التدفقات للخارج من 65 مليار دولار الى 5،4 مليار على الترتيب، الامر الذى أثر على صافى الاستثمار الأجنبى المباشر ليصل إلى 79 مليار دولار عام 2016/2017 من هذا المنطلق فإنه يصبح لزاما علينا الاهتمام بشدة بالبحث عن أسباب زيادة التدفقات للخارج وبعبارة اخرى فبقدر ما يكون الاهتمام بجذب المزيد من الاستثمارات للداخل مهماً فانه يصبح على درجة الأهمية نفسها البحث عن علاج أسباب التدفق للخارج وهى المسألة التى غالبا ما تغيب عن الاهتمام والدراسة. وعلى الجانب الآخر يجب العمل على إعداد استراتيجية قومية للترويج تحدد المستثمرين المستهدفين، والقطاعات المرشحة للبدء بها، والمناطق الجغرافية المستهدفة داخل البلاد. وهو ما يتطلب إيجاد قواعد بيانات صحيحة ومدققة بشأن توافر الخامات والسلع والخدمات فى السوق المحلية من حيث الإنتاج أو الاستهلاك. مع العمل على توفير البيانات الخاصة بالمشروعات المماثلة الجارى تنفيذها والتوقعات المستقبلية لمعدلات نمو السوق المحلية. مع التشاور المستمر مع قطاعات المجتمع الاقتصادى والتعرف على متطلباته والمشكلات التى تواجهها والعمل على إزالتها. وتنمية التنظيمات الجامعة للمنتجين فى مختلف قطاعاتهم والمستهلكين فى بمختلف صورهم. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى