طالعتنا الأخبار منذ أيام بصدور وثيقة جامعة القاهرة للتنوير ، والتى تضمنت مجموعة من المبادئ التى تحكم هوية الجامعة العريقة بما تكفله من حرية الإختلاف فى الرأى وتنوع الفكر وإعمال العقل والإبتعاد عن كافة صور التعصب ، بالإضافة إلى فتح الحوار المتواصل بين الأساتذة والطلبة من خلال عقد اللقاءات المباشرة والندوات وفتح باب المناقشة فى كافة المجالات. ولقد أخذنى هذا التوجه المستنير للوراء إبان فترة دراستى الجامعية ، وتجربتى مع الدكتورة "نبيلة الشال" أستاذة الجامعة الراقية والتى كانت تدرس مادة " العلوم السلوكية" ، وتذكرت انها كانت تطبق كافة بنود تلك الوثيقة قبل ان تصدر بسنوات ، وكنت أنا واحدة ممن شهدوا إستنارة أفكارها وتقدم رؤيتها، الأمر الذى أثر فى نظرتى للحياة وأضاف بُعدًا جديدا لشخصيتى لم أدركه فى حينها ولكننى أراه كلما نظرت إلى الوراء ، فكانت أستاذة المادة ضد فكرة طرح الكتاب كمقرر دراسى وتتعمد أن تخصص وقت من كل محاضرة للمناقشة وإعمال الخيال فى تطبيق النظريات على الواقع ، وأذكر ان هذا الأسلوب جعلنى ألجأ وزملائى دوماً لمكتبة الجامعة وللمكتبات العامة بحثاً عن أمهات الكتب وإصدارات كافة الكُتّاب حتى نكون حصيلة واسعة عن المادة نستطيع بها إجتياز الإمتحان ، وعلى الرغم من تعدد وتشابك نظريات المادة وعمق محتواها؛ أصبح إستذكارها أشبه بإجراء بحث علمى يؤهل صاحبه ويبرمج تفكيره على إتباع الطرق التحليلية والعلمية ورفض أو قبول الأحداث عن إقتناع ومعرفة دون أن تلقين من أحد ، والحقيقة ان تلك الآلية قد حفرت فى وجداننا قبل عقولنا ، وأعتبر ان تدريس تلك العقلية الواعية لىّ هو من أحسن الصدف فى حياتى ، وتدور الأيام ويأتى الدكتور الخشت ومن قبله الدكتور جابر نصار اللذان فتحا الباب من جديد لدخول النور لعقل شباب هذا الوطن ليقودوا حملات التصحيح للخطاب الفكرى الذى هو الأساس للخطاب الدينى القويم ، والذى ينادى بالمناقشة وإدراك الأموروتقديرها جيدا دون مغالاة والأهم هو عدم التشبث بالرأى والإبتعاد عن الحكم على الآخرين مهما كانت درجة الإختلاف بيننا ، وأدعى يقينا بأن هذا الأسلوب فى التعليم الجامعى إذا تم تعميمه سيفرز أجيالًا أسوياء فكريًا وسلوكياً . وأناشد الدكتور الخشت والذى يبذل جهداً مضاعفا من أجل صنفرة العقول وتجريفها ووضعها على الطريق الصحيح –أن يحمل على عاتقه كذلك مهمة القضاء على الكتاب الجامعى كمقرر دراسى ،وإستبداله بتوجيه الطلبة لتوسيع دائرة معرفتهم وإفساح المجال لإعمال عقولهم وليس تلقينها . [email protected] لمزيد من مقالات راندا يحيى يوسف;