◄ الطب النفسى: افتقاد المتعة يولد لدى التلاميذ انطباعا سلبيا تجاه التعليم
ما بين فقدان القدرة على مواصلة مسيرة التعليم لأسباب اقتصادية أو اجتماعية، وبين الإصرار على الهروب من المدرسة، بحثا عن الكسب المادي، لمرض الأب أو وفاته، تفاقمت أزمة التسرب من التعليم، ووصلت إلى مستوى غير مسبوق بلغت نسبته نحو 34٫5%.. القضية خطيرة، وتحتاج لحلول جذرية، وواقعية، تواجه التسرب من التعليم، وتضع نهاية حقيقية له. نبدأ بعبد الرحمن وهو شاب من محافظة سوهاج، فى السادسة عشرة من عمره ، ويعمل على «عربة فول» فى مدينة نصر، لم يكمل دراسته الإعدادية بمركز البلينا فى محافظة سوهاج وانتقل منذ 4 سنوات مع شقيقه الأكبر إلى القاهرة بحثا عن لقمة العيش، فهو كما يقول لم يكن يملك ترف استكمال تعليمه خاصة بعد وفاة والده ومرض والدته، وهو غير نادم على قراره، فهو يسهم فى علاج والدته التى ترعاها شقيقاته ويجهز نفسه للزواج بعدما يتيسر الحال، وفى الوقت نفسه يتساءل «هعمل إيه بالشهادة؟ وهتجيبلى كام؟».. عبد الرحمن هو واحد من ملايين الأفراد الذين شملهم الإحصاء التعليمى للتعداد السكانى الأخير، الذى كشف عن ارتفاع نسبة التسرب من المدارس وغير المتعلمين بشكل غير مسبوق لتصل إلى 34٫5% . تقول بثينة عبد الرءوف الخبيرة التربوية، إن الإحصاء الأخير للتعداد السكانى جاء صادماً فيما يتعلق بأسباب التسرب من التعليم، التى جاء فى مقدمتها عدم رغبة الفرد فى التعلم بنسبة 37%، خاصة أنه من المستحيل أن يكره الطفل المدرسة والعملية التعليمية فى الظروف الطبيعية، فالإنسان بطبعه محب للمعرفة ولديه استعداد فطرى للتعلم، وبالتالى فمن المؤكد وجود خلل كبير فى العملية التعليمية يدفع الطفل دفعاً إلى عدم الرغبة فى التعلم، ولا بد من التعامل بمنتهى الجدية مع هذا الخلل لإصلاحه والعودة بالعملية التعليمية إلى مسارها الصحيح. وتوضح الخبيرة التربوية السبب الرئيسى لكراهية الأطفال المدارس خاصة فى المناطق الريفية، هو أن المدرسة بيئة غير جيدة مزدحمة بالأطفال ويتعرض الطفل فيها لضغوط نفسية سواء من المدرسين أو زملائه دون وجود رقابة على السلوكيات سواء لأفراد الهيئة التعليمية أو التلاميذ، مما يجعل المدرسة بيئة منفرة لنسبة كبيرة من الطلاب يمثل الوجود فيها نوعا من العقاب دون وجود استفادة حقيقية، مما يولد شعوراً بعدم الرغبة فى الاستمرار بالتعليم لدى الطفل. وتضيف أن الضغوط المادية للأسر الفقيرة وعدم القدرة على مواكبة متطلبات العملية التعليمية تمثل عاملا مهما أيضا فى التسرب من التعليم، حيث تفضل الأسرة الاكتفاء بما حصل عليه أبناؤها من تعليم يقتصر فى معظم الأحيان على القراءة والكتابة وتلحق أبناءها الذكور بالعمل لدى الغير أو مساعدة الأب فى مهنته، والبنات يساعدن أمهاتهن فى العمل المنزلي، أو يتزوجن ومعظمهن لا يكملن تعليمهن. وعن كيفية مواجهة التسرب التعليمى تقول: لابد من تحقيق نوع من الاستقلالية لكل إدارة تعليمية فيما يتعلق باحتياجات المناطق التابعة لها وطبيعة السكان وتفكيرهم ومتطلباتهم، مع تقديم الدعم «عينيا» للمدارس الفقيرة سواء من رجال الأعمال أو المؤسسات أو المعونات وغيرها، لافتة إلى تجربة فى مدرسة بمنطقة الواحات كان بها نسبة تسرب مرتفعة جداً، وكانت تصرف للطلاب وجبة مدرسية عبارة عن «بسكويت»، وبعد تغيير الوجبة بنفس التكلفة إلى رغيفى خبز وقطعة جبنة مثلثات، وعلبة صغيرة من المربي، ارتفع الحضور بنسة 60%!. وهكذا فلابد من بحث أسباب التسرب التعليمى فى كل منطقة على حدة ومعالجة أسبابها الحقيقية دون تعميم أسلوب موحد للتعامل مع المشكلة فى كل المناطق. ويرى الدكتور إبراهيم مجدى استشارى الطب النفسي، أن افتقاد العملية الدراسية للمتعة وتحولها فى أحيان كثيرة إلى نوع من العقاب يؤدى إلى ضغوط نفسية على شحصية الطفل التى عادة ما تكون سريعة التأثر، مما يجعل لديه انطباعا سلبيا تجاه المدرسة ورغبة فى عدم التعلم. ويرى أنه لابد من أن نحبب الطالب فى العملية الدراسية، خاصة فى مراحل التعليم الأولية، مع الأخذ فى الاعتبار أنه طفل يميل إلى الألعاب والاستمتاع بوقته واللهو مع زملائه، مع عدم استخدام العنف معه والإشادة به عند القيام بعمل إيجابى حتى لو كان بسيطا، فكل تلك التفاصيل تشكل حافزا قويا للتعلم يدفع الطالب إلى السعى لاستكمال تعليمه. ◙ صعوبة المناهج والمبالغة فى عدد الامتحانات أهم المعوقات تقول الدكتورة محبات أبو عميرة أستاذة المناهج وعلوم التربية بجامعة عين شمس: هناك بالفعل خطط لمكافحة التسرب تم إعدادها على عهد الوزراء السابقين وآخرها أعلن عنها د. طارق شوقى وزير التربية والتعليم خلال العام الحالي، ولكن المشكلة فى التطبيق وعدم واقعية الحلول وبالتالى لا توجد نتائج على أرض الواقع. وتوضح أستاذة علوم التربية أن أسباب التسرب من التعليم متعددة منها أن الطلاب لا يحبون المدرسة، ولجوء بعض المدرسين إلى أسلوب الضرب لتقويم الطلاب، أو إجبار الأسرة التلميذ على عدم استكمال تعليمه لظروف مادية أو اجتماعية، كما أن الدروس الخصوصية تؤثر أيضاً على زيادة نسبة التسرب من التعليم بما تمثله من عبء مادى كبير على معظم أولياء الأمور. وتشير إلى أن صعوبة المناهج والتعثر الدراسى والمبالغة فى عدد الامتحانات التى يخوضها الطلاب من الأسباب التى تسهم أيضاً فى زيادة نسبة التسرب من التعليم. وعن كيفية حل المشكلة والحد من التسرب التعليمي، تقول الدكتورة محبات إنه لابد للأسرة من المتابعة المستمرة لأبنائها، فبداية التسرب التعليمى تأتى بالهروب من المدرسة خلال اليوم الدراسى دون علم الأسرة، وهنا لابد من وجود شراكة تربوية بين الأسرة والمدرسة وأن يكون هناك تواصل مستمر بين الجانبين ليقوم كل بدوره فى توجيه الطلاب. وتضيف أنه من المهم تكاتف جميع الجهات بداية من وزارة التربية والتعليم، مرورا بالمجتمع المدنى الذى من الممكن أن يقوم بدور كبير فى مواجهة المشكلة سواء بتجهيز المدارس أو مساندة أسر الطلاب غير المقتدرة مادياً، ومديريات التعليم والمحافظات، وأيضاً مجلس التعليم قبل الجامعى وكليات التربية والبرلمان، فأزمة التسرب من التعليم تحتاج حلولا عاجلة لمواجهتها على المدى القصير، وهو لن يتحقق إلا بتضافر جميع الجهات قبل أن تزداد المشكلة وتتفاقم آثارها.