في حياة المسلمين أماكن مكرمة كالكعبة المقدسة يدخلونها محرمين ولربهم ملبين ويطوفون حولها وهم سعداء طامعين بأن يغفر الله لهم, كذلك في حياتهم أزمنة مكرمة أولها رمضان الذي تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وعلي بابه الرحمة. وفي وسطه المغفرة وفي آخره عتق من النار. فيجب أن يبدأ الإنسان شهر رمضان بالتوبة إلي الله, لأن الإنسان من دون توبة لا يصفي قلبه, والتوبة سبب في زوال تراكم المعاصي, فيشعر المسلم بعدها بلذة العبادة لأن الإنسان يعيش في فضل الله وبركته ونعمه, ويقول الدكتور مبروك عطيه استاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر كيف يقوم الإنسان بعصيان الله وهو يحب أن يعيش في رحمته؟!, فعلي المسلمين الاستعداد لهذا الشهر الكريم استعداد الفقير لعطاء ربه واستعداد المحب للقاء حبيبه يبتهج لقدومه ويسأل الله أن يبلغه إياه ليصوم نهاره ويقوم ما استطاع من الليل,وأن نستقبله بالعزم علي ترك الآثام والسيئات, والإقلاع عنها وعدم العودة إليها, يقول الله تعالي: وتوبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ورمضان ليس مجرد شهر الصيام والحرمان وإنما هو شهر تقوي بالدرجة الأولي, لقوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون, والتقوي اسم جامع لكل فضيلة في علاقة الإنسان مع ربه ومع نفسه ومع الناس, وهو في رمضان اشد اختبارا لنفسه حيث أنه يكون بمفرده ولا يأكل لقمة ولا يشرب شربة يقينا منه بأن الله يراه فإذا كان يعمل لذلك حسابا, فليعمل لكل ما كلفه الله به من فضائل ألف حساب, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم:( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك), ولابد للمسلم الواعي من تدريب علي ذلك قبل قدوم الشهر الكريم, كما هو حال الطالب المجتهد الذي يقبل علي الإمتحان وقد أعد له عدته واعتكف علي كتبه ودخل امتحانه وهو ثابت وواثق من نفسه, ويضيف بأنه يجب علي المسلمين أن يستعدوا نفسيا لاستقبال هذا الشهر بالمصالحة مع قواعد الشرع التي أهملوا بعضها, والمصالحة أيضا مع الناس. ومن جانبه يري الدكتور محمد الدسوقي استاذ الشريعة بجامعة القاهرة, إنه يجب الاستعداد لهذا الشهر كما كان يفعل الرسول صلي الله عليه وسلم, فكان يكثر من صيام شهر شعبان وكأنه بهذا الصيام يهييء نفسه لاستقبال شهر رمضان, ومن ثم فإن أي أمر عظيم يحتاج من الإنسان إلي صبر وتحمل لابد أن يعد له نفسه مسبقا حتي يقبل عليه بعزيمة قوية ليستفيد من هذه المهمة التي قد يكون في ظاهرها تعب وإرهاق ولكن في جوهرها خير وبركة, فرمضان خير الشهور ويكفي أنه الشهر الذي ورد ذكره في القرآن الكريم وأنه شهر القرآن بداية ومراجعة, لأنه نزل في رمضان, وكان سيدنا جبريل عليه السلام يراجع الرسول صلي الله عليه وسلم بكل ما نزل في هذا الشهر وفي رمضان الأخير في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم والذي توفي بعده بنحو خمسة أشهر, راجع جبريل الرسول فيه مرتين, بمعني أن جبريل عليه السلام كان يقرأ كل ما نزل والرسول صلي الله عليه وسلم يسمع, وبعد أن ينتهي جبريل يبدأ الرسول صلي الله عليه وسلم يقرأ وجبريل عليه السلام يسمع,وهذه المراجعة أكبر دليل علي أن ما بين يدي المسلمين من قرآن الآن هو نص الذي أوحي به إلي محمد صلي الله عليه وسلم لا نقص فيه ولا زيادة.