الأوضاع في تونس وثورات الربيع العربي كانت محور نقاش طويل أجريناه مع الناشطة السياسية التونسية بشري بلحاج حميدة مؤسسة والرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات, التي ألتقيناها في المغرب أثناء مشاركتها في موسم أصيلة الثقافي, وأعربت بشري خلال حوارنا معها عن تخوفها من تحول ثورات الربيع إلي ديكتاتوريات لا تقل في جبروتها عن النظم الي أسقطتها, وضربت مثلا بما يحدث في بلادها مشيرة إلي أن ثورة الياسمين قامت بسبب الفقر والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة ل بن علي, إلا أن الوضع الحالي لم يعالج المشكلة وظلت الأمور كما هي, وحذرت من وجود محاولات لاستغلال النساء لأغراض سياسية, مؤكدة استمرار تهميش المرأة وإقصائها. بعد عام ونصف العام علي قيام ثورة الياسمين, ما أبرز الايجابيات والسلبيات التي تمخضت عنها؟ { بلا شك أهم مكسب حرية التعبير والتنظيم, وانتهاء الخوف واسترجاع المواطنين والمواطنات ثقتهم في قدرتهم علي التغيير بعد أن انتابنا شعور أن كل شعوب العالم تتمرد علي الاستبداد ما عدا الشعوب العربية, ويدرج أيضا ضمن الإيجابيات اهتمام التونسيين بالسياسة بعد أن هجروها عشرات السنين. السلبيات منها ما هي عادي مثل ظاهرة العنف داخل المجتمع, ومحاولة كل فرد السيطرة علي حق الأخر في التعبير, وعدم احترام الحق في الاختلاف, وهذا في تقديري أمر ظرفي يمكن أن تجاوزه بممارسة حقيقية للديمقراطية ووضع قواعدها, أما ما هو سلبي وغير عادي فيتمثل في أن الثورة أو الانتفاضة حصلت ضد الفقر والفوارق الاجتماعية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام السابق, وهو واقع لم يتبدل في ظل الحكومة الحالية, بل أن الحزب الحاكم حزب ليبرالي, وليست له أي رؤية اجتماعية تضمن حسن توزيع الثروات, فضلا عن أنه حزب هيمني يسعي لمحاولة السيطرة علي كل المؤسسات, وضرب كل سلطة أو طرف يحاول التصدي لمشروعه كالإعلام, وفي إطار تطبيق سياسته الاقتصادية يحاول جذب المجتمع ثقافيا إلي الوراء حتي يخلق رأيا عاما معاديا للمساواة وللتقدم وللنخبة, ورأيا يخلط بين الثروة والتقدم والعصرية من جهة وبين الشعبوية والهوية من جهة أخري. لكن برغم ذلك فإن ما يحصل من تجاذبات داخل الأحزاب المشاركة في الحكم, وفيما بينها ومع أحزاب المعارضة, وكذلك الدور الذي يقوم به المجتمع المدني, كل هذا من شأنه التصدي لهذه المحاولات, ويخلق ديناميكية, يمكن أن تؤدي إلي تحقيق طموحات التونسيين والتونسيات, وفي كل الحالات هي فرصة فريدة منحنا إياها الشعب وعلينا عدم إضاعتها, والقطع نهائيا مع الاستبداد والفساد والفوارق المجحفة. يري بعضهم أن ثورات الربيع العربي ومنها ثورة تونس تمت بمباركة أمريكية وتدبير غربي يحقق ما يسمي إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد.. ما تعليقك؟ { شخصيا لست من محبذي نظرية المؤامرة, ولا يمكن الجزم أن كل ما حصل من تدبير غربي أوروبي, لكن مما لا شك فيه أن أي تغيير حصل أو يحصل في بلداننا هو بمباركة الغرب, فالجهات التي نصبت بن علي في1987 م, وساندته طوال سنوات حكمه, وأصمت أذنيها عن الإصغاء إلي المعارضة والمجتمع المدني وقولهما إن الاستبداد ليس السد ضد التطرف والإرهاب بل بالعكس, هي ماتزال مؤثرة ولم يتحرر منها القرار الوطني التونسي. كان للمرأة التونسية مشاركتها البارزة في الثورة, برغم ما كانت تحظي به من حقوق وامتيازات في عهد بن علي لم تتوافر لنظيراتها في أي قطر عربي آخر, ومع ذلك نري دعوات للإنتقاص من حقوق النساء التونسيات, فهل تعتقدين أن دور المرأة سيشهد تقلصا في المرحلة الحالية؟ { أولا أن تاريخ النساء و دورهن في تونس في المجتمع يرجع إلي قرون, وجاءت مجلة الأحوال الشخصية(1956 م) والقوانين المتممة لها لتدعم دورهن وحقوقهن, لكن لم تتحقق المساواة, فما بالك الحديث عن امتيازات!, وفي العشرة سنوات الأخيرة بدأت الحملة ضد النموذج التونسي من بلدان الخليج والتيارات الرجعية في المنطقة في إطار مشروع كامل سياسي اقتصادي جديد, يشكك في هوية التونسيين والتونسيات وينسف تاريخهم, ويحاول البعض استعمال النساء ومجلة الأحوال الشخصية كأدة سياسية كما كان يفعل النظام السابق. وأظن أن هذا المشروع لم ينجح إلي الأن لكنني متشائمة فيما يتعلق بالعقليات, لأن عدة أطراف تحاول إيهام الداخل والخارج أن ما يحصل هو صحوة إسلامية في المنطقة العربية وكأن الإسلام كان مستهدفا!! وأري أن الأحزاب التقدمية نفسها غير واعية بخطر هذا التوجه, ولم تضع قضية المساواة بين الجنسين من بين أولوياتها كقضية محورية بل أصبحت تتجنبها, كما أن مشروع توطئة الدستور( المقدمة)لا ينص علي المساواة بين الجنسين بل بين المواطنين و المواطنات وهذا لا يزيح التمييز القائم علي الجنس. في حلقة نقاشية في بنغازي مطلع العام الحالي قال الرئيس منصف المرزوقي: أدركت أن الإسلام يمكنه أن يقدم حلولا لمشكلات العصر, ولهذا جاء الإسلاميون إلي السلطة, هل نفهم من هذه العبارة تحالفا ليبراليا مع الحركات الإسلامية, بعد سنوات تجفيف منابع الإسلام في عهد بن علي؟ { لا بد من التأكيد أن الحل الأمني وتجفيف منابع الإسلام السياسي, الذي وصل إلي حد مس حق الناس في ممارسة ديانتهم, هو الخطوة الأولي في سياسة بن علي للإعداد لمشروعه الاستبدادي, الذي استمر23 سنة. وشخصيا كنت دائما ضد هذا التوجه ومع حق الإسلاميين في ممارسة العمل السياسي, ولكن لا أعتبرهم الحل, بل بالعكس أعتبر مشروعهم من أسوأ المشاريع والنماذج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, ولا أعتبرهم يمثلون الإسلام, فالإسلام أداة يستعملونها للوصول إلي الحكم والبقاء فيه, وأتصور أن الرئيس المرزوقي الحقوقي, والذي ترأس أكبر جمعيتين لحقوق الإنسان في تونس, لا يمكن أن يري في هذه التيارات الحل لضمان حقوق الناس في الكرامة و العدالة والمساواة.