من يرصد الواقع المعيش على المستوى الإقليمى أو الدولى يراه واقعًا بالغ الصعوبة، وبالغ التعقيد، لدرجة قد تلتبس فيها الأمور حتى على اللبيب الحاذق، غير أن عالم اليوم أيضًا قد صار بفضل التقدم العلمى التكنولوجى شديد الوضوح بحيث يصعب إخفاء الحقائق فيه. وإذا التفت المرء يمينًا ويسارًا وأمامًا وخلفًا وفوقًا وتحتًا ليرى من يُحْذَرُ منه لاتسعت لديه الدائرة، ولربما داخله وساوره من الشك والقلق والارتياب أضعاف أضعاف ما يمتلكه من الطمأنينة والثقة وعدم التوجس. ولست بذلك متشائمًا ولا أدعو أبدًا إلى تشاؤم، ولا إلى البحث عن النوايا والتفتيش فى الضمائر، فليس ذلك بالأمر السديد ولا الرشيد، إنما ندعو إلى مزيد من التأمل والتحليل حتى لا يؤتى الحذر من مأمنه. وهنا أرصد بعض الحقائق وأحاول أن أشير إلى بعض الحلول. أما أهم ما ينبغى أن نحذر منه فهو أن نقع فى نفس أخطاء الماضى التى وقع فيها غيرنا أو شارك فيها بعض من يعيشون فى عالم اليوم، ودفعنا وما زلنا ندفع ثمنها، ولعل من أهم الأخطاء هو اختيار الحلول السهلة وترحيل المشكلات حتى لو كان على حساب تضخمها واحتمالات انفجارها يومًا ما فى وجه الجميع، سواء عن سوء تقدير للأمور، أم نجاءً بالنفس وإفلاتًا من المواجهة وتركها لآخرين، سواء أكان ذلك على المستوى الفكرى أم الاقتصادى أم الثقافى أم الاجتماعى أم الأمني، إذ قد يكون مبدأ إيثار السلامة العاجلة هو سبيل الغرق المحقق. الأمر الثانى : الذى نحذر منه هو تلك الجماعات المتطرفة ذات الأيديولوجيات التى تتبنى العنف، وتتشبع به، وتدعو إليه، وإن تظاهرت بغير ذلك، ولبست من المسوح ما تتلون به ألف لون، فمهما حاولت هذه الجماعات تغيير جلودها فهى أشبه ما يكون بالثعابين والحيات التى لا يكون لتغيير جلودها أى أثر فى كونها سمية قاتلة لا أمان لها ولا للدغتها. الأمر الثالث : هو ألا ننجر أو ننساق خلف ما تبثه الكتائب الإلكترونية للجماعات الإرهابية وعلى رأسها كتائب جماعة الإخوان الإرهابية التى تعمد إلى تشويه الحقائق وبث الشائعات وتشويه الرموز السياسية والدينية والوطنية قصد إفقاد الشعوب الثقة فى أى سلطة رسمية ، مما يستدعى اليقظة والحذر وتحرى الدقة من منطلق قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ « (الحجرات : 6) ،وقول نبينا صلى الله عليه وسلم:»كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ »، وعلاج هذا الأمر إنما يتأتى بالعمل على عدم وجود أى سلطات موازية أو بديلة لسلطات الدولة ومؤسساتها، بحيث لا تملك أى من الجماعات المتطرفة أذرعًا دينية أو اقتصادية أو دينية توازى بها مؤسسات الدولة وتعمل على سحب البساط منها. الأمر الرابع : تحاول الجماعات المتطرفة فكريًا وأيديولوجيًا تسويق نفسها على أنها حامية حمى الدين والحريصة عليه، مستغلة الفطرة النقية لدى بعض الناس والعاطفة الدينية المتدفقة لديهم، لتخفى وراء ذلك وجهها الحقيقى وأغراضها وأهدافها التنظيمية التى لا تخفى على عاقل أبدًا. ولا يستطيع أحد أن ينكر ما اكتوينا به فى الماضى القريب من شر هذه الجماعات وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية وسائر الجماعة المتطرفة التى التفت حولها وتحالفت معها لتقاسم السلطة والغنيمة. ولا يمكن لعاقل أن يلدغ أو يسمح لمجتمعه أن يلدغ من نفس الجحر مرتين، وألا ننخدع مرة أخرى بحلو الكلام ومعسول القول والمتاجرة بالدين ومحاولة توظيفه لاحتلال مواقع سياسية جديدة أو تحصيل منافع ومكاسب شخصية وتنظيمية، أو استجلاب مزيد من التمويلات من خلال إبراز قوة مفتعلة على الأرض بالجعجعة والصوت العالي. لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة