يخبرنا التاريخ القديم والحديث بأن الاطار الجماعى يمثل طوق النجاة الأكيد من النزاعات والكوارث المهددة للبشرية وقيمها السامية النبيلة، لأنه يوفر البيئة الصحية الكفيلة بتنشيط وتجديد خلايا العوامل المشتركة الجامعة بين الأمم والشعوب، التى تتسع أمامها رقعة التفاهم والاستيعاب، وتتوارى معها عناصر التنافر والاختلاف، ولولا الاطار الجماعى لكانت الغلبة للنازية والفاشية والديكتاتورية وليس للعالم الحر المدافع عن قيم الحرية وحقوق الانسان والتقدم الهادف لرخاء ورفاهية بنى الانسان، ولولاه لظل الاحتلال العراقى للكويت. انطلاقا من تلك القاعدة غير القابلة للمجادلة والنزاع فإن القمة العربية الإسلامية الأمريكية التى احتضنتها الرياض أمس تعد بمثابة استدعاء حميد للنزعة الجماعية الطامحة لمواجهة خطرين عاجلين، هما الإرهاب بوجهه القبيح متمثلا فى تنظيم «داعش» وأقرانه، والتمدد الإيرانى فى الإقليم متسلحا ببعد طائفى، هو مساعدة الشيعة فى العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، والبحرين، وأينما وجدوا وحلوا بالمنطقة وخارجها. فى الاستدعاء فوائد اقتصادية وسياسية وأمنية واستراتيجية تبدو فيها الولاياتالمتحدة الحائزة نصيب الأسد منها، بينما يترقب العرب والمسلمون ما سيحصدونه منها حاضرا ومستقبلا، ويتوقعون أن تكون واشنطن عند حسن ظنهم وتوقعاتهم، وحتى نتجنب المزيد من الاحباطات والانكسارات والأخطار المحدقة فإن نجاح واستمرار التحالف العربى الإسلامى الأمريكى مرهون باعتبارات واستحقاقات لا تخضع للمساومات أو التنازلات. الاعتبار الأول: أنه لابد من معرفة حدود ومدى المراهنة على التوجهات الأمريكية حيالنا، حيث إننا جربنا فى سالف العصر والأوان تشييد قصور على الرمال المتحركة من التوقعات والآمال الزائدة مع تولى كل إدارة أمريكية جديدة ونظل نمنى النفس بأن الفرج قادم لا محالة، وأن الضوء يلوح فى نهاية النفق المظلم، وآخرهم كان باراك أوباما الذى باع الوهم لنا خلال 8 سنوات قضاها فى البيت الأبيض ولم نحصل منه سوى على خيبة الأمل والأمانى الخادعة. بطبيعة الحال هناك فارق فى الشكل والمضمون بين أوباما وخليفته دونالد ترامب، إذ إن الأخير بحكم تركيبته وخبرته كرجل أعمال مشهور لديه جرأة أكبر على المغامرة والمجازفة بطرق تبدو صادمة وصاعقة فى نظر الداخل الأمريكى والمحيط العالمى، وها هو ذا وبإرادته المحضة يحط بقدميه على رقعة الشرق الأوسط بكل ما فيها من ألغام وتقلبات وفرص راغبا فى جنى ليس فقط صفقات اقتصادية بمليارات الدولارات، بل أيضا فى الإبقاء على نفوذه وسطوة بلاده فى المنطقة وتخفيف الأعباء المالية والعسكرية الملقاة على عاتقها، ويرمى للدخول فى شراكة مع العرب والمسلمين لانجاز هذا الهدف، فواشنطن لا تقدر على الانسحاب الكلى من الشرق الأوسط وتركه لقمة سائغة لروسيا أو غيرها، ولا على الانخراط الكلى فى مستنقعه الذى غاصت فيه فى العراق إبان سنوات احتلاله الذى أضاع بلاد الرافدين وحولها إلى جزر منعزلة يتكالب ويتداعى عليها اباطرة الميليشيات والطوائف والجماعات الإرهابية، وتقطعت أوصاله وتشرد أبناؤه، فلننتبه إلى ضرورة توزيع الأعباء والمسئوليات بالتساوى حتى تستقيم وتتوازن الأمور. الاعتبار الثانى: حتمية أن تكون مسارات التحالف أو التعاون العربى الإسلامى الأمريكى على خط واحد وليست خطوطا متفرقة، فإن كنا نتحدث عن مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه العفنة فإن ذلك لن يتحقق الا بحل القضية الفلسطينية بشكل نهائى وحاسم، لأنها من بين الأسباب الجوهرية لانتشار الإرهاب، فهل استعدت الولاياتالمتحدة للضغط على إسرائيل، وأن تتعاطى مع الأزمة بنظرة محايدة، أم تراها لم تشف بعد من داء الانحياز الأعمى للجانب الإسرائيلى فى الحق والباطل، وأن تعى أنه مثلما تنظر لإيران على أنها خطر على الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط فإن الخطر الإسرائيلى لا يقل عنه ويسير إلى جواره بنفس الخطى؟!، فالمواجهة لخطرين لا لخطر واحد، والا ستكون واشنطن مساعدة على تخليص تل أبيب ممن تعتبرهم أعداء يهددون أمنها ولابد من قطع أذرعهم. بدون هذا سنظل ندور فى دائرة مفرغة من التصريحات والاشتراطات الإسرائيلية والوعود الفارغة بتسوية القضية الفلسطينية واستئناف مفاوضات السلام المجمدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفى المقابل ستظهر أجيال جديدة من التنظيمات الإرهابية بحجة أن أهلنا فى فلسطين يعانون ويتحملون الأهوال والعذاب على يد الاحتلال الإسرائيلي. وأمريكا مدعوة لتقديم الدليل تلو الآخر لتأكيد صدق نيتها المعلنة بانهاء الأزمة الفلسطينية، ومدعوة كذلك لتفادى إعطاء الدروس والمحاضرات بشأن ما ينبغى أن يكون عليه الدين الإسلامى من اعتدال وتسامح، وأنه مسئول عن تنامى الظاهرة الإرهابية، فأهل مكة أدرى بشعابها ودهاليزها، والمسلمون هم الأولى والاجدر بتصحيح وتقويم المفاهيم المغلوطة، والتصدى لدعاة الإرهاب بغطاء دينى، وأنه على الجميع تحاشى فكرة أن الصراع له صبغة دينية بتوصيفه بأنه بين السنة والشيعة، وأن المعسكر الشيعى يواجه المعسكر السنى طلبا للسيطرة والتسيد، فذاك الخطر بعينه، حيث ان الوضع له خلفيات سياسية وعسكرية واقتصادية ومتعلق بموازين القوى والصراعات بين الكبار الذين كنا دوما ضحايا لصفقاتهم فى الغرف المغلقة. الاعتبار الثالث: أنه آن الأوان للعرب والمسلمين لتحصين أنفسهم بأوراق ضغط ومساومة فى علاقاتهم الدولية، والثقة فى أنهم ليسوا ضعفاء مغلوبين على أمرهم كتب عليهم دائما وأبدا الرضوخ لمخططات وترتيبات القوى الكبرى، وأن مصلحتهم تكمن فى أن يكون لهم صوت واحد قوى فإن حافظوا على عادتهم المتوارثة ببعثرة كلمتهم وعدم اتفاقهم على موقف موحد ككتلة متراصة فسوف يفرض الآخرون أيا كانوا منطقهم وخططهم، وهم العرب لا يحتاجون لبراهين على ما يحاك لمنطقتهم وما يدبر لها من مكائد، إن القمة العربية الإسلامية الأمريكية فيها ما فيها من الفرص والآمال، وأيضا فيها ما فيها من المحاذير والأخطار، وترجيح الكفة بيد الشركاء العرب والمسلمين فهم من سيرسمون مسارها إما للأمام أو للخلف. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;