حضرت مراسم زواج إسلامية ومسيحية عديدة، ووجدت فيها الكثير من المتشابهات، التى تحمل بصمة ثقافية مصرية، منها النصائح التى توجه إلى العروسين، والدعاء الذى يرفعه الحاضرون لهما. يبدو أن الفائض فى رأس المال الدينى لم يعد يضمن الاستمرار لكثير من الزيجات.لم أهتم بظاهرة «الطلاق» من قبل، ولكن دفعت للاهتمام بها لأن صديق لى ابنته، أم طفلين صغيرين، تخوض هذه التجربة، بكل معاناتها النفسية، والقانونية، والاجتماعية. وقد يكون فى قصتها ما لا يختلف عن قصص كثيرين أصحاب ما يقرب من مليون حالة طلاق سنويا أمام محاكم الأسرة، مما يعنى وجود 240 حالة طلاق يوميا، بمعدل عشر حالات طلاق كل ساعة. الأسباب التى تدفع زوجة لطلب الطلاق متشابهة. زوج لا ينفق على أسرته، آخر مدمن، ثالث يضرب زوجته وأولاده، رابع ينغمس فى علاقات نسائية أصبحت أيسر من ذى قبل بفعل وسائل التواصل الاجتماعي، الخ. وقد تكون هناك أسباب من نوع آخر تدفع الزوج إلى طلاق زوجته أو تدفع الطرفان إلى السعى لإنهاء الحياة الزوجية مثل الضغوط الاقتصادية وعدم التوافق. النتيجة واحدة أن هناك ثلاثة ملايين مطلقة يضاف إليهن نحو ثمانية ملايين فتاة لم تتزوج (تصل نسبة العنوسة 40% من الفتيات فى سن الزواج)، أى أن هناك أكثر من عشرة ملايين امرأة لم تتزوج من الأصل، أو تزوجت ثم طلقت. بالتأكيد الطلاق ظاهرة سلبية فى كل المجتمعات. الدراسات التى تعدد سلبياته كثيرة، وأحيانا تأخذ طابع الوعظ والإرشاد الديني، أو النظر فى آثاره الاجتماعية السلبية ليس فى مصر أو المحيط العربى فقط، بل وعالميا أيضا. فقد انتهت دراسة ميدانية أجريت مؤخرا فى كلية الاقتصاد بجامعة لندن حول الطلاق إلى عدد من النتائج، لا يبدو فيها الكثير من المفاجآت أبرزها أن الأولاد يتمتعون بصحة جيدة، ويتقدمون فى التعليم إذا عاشوا فى منزل يسكنه الزوجان معا خلافا لأقرانهم فى أسر بها زوج أو زوجة فقط. وقد نشرت صحيفة زديلى ميلس تقريرا مطولا عن نتائج هذه الدراسة الميدانية التى اعتمدت على عينة واسعة من الأطفال، تناولت تفصيليا حالتهم الاجتماعية، والتعليمية، والنفسية. إذن لا أحد يجادل فى أن الطلاق ظاهرة لها نتائج سلبية على الأسرة، التى يعتبرها المجتمع أساس النظام الاجتماعى برمته. ولكن دعنا نعترف بأن المجتمع يتغير، ويفرض التغيير شروطه على الواقع. أحد أبرز مظاهر التغيير هو مفهوم الأسرة ذاته. عندما كانت معدلات الطلاق منخفضة، ومحدودة تشكلت جملة من التصورات الاجتماعية منها أن الطلاق «تهديد للأسرة» و«مصدر» للعار الاجتماعي، تلاحق من يحمل صفة «مطلق» نظرات اجتماعية سلبية. وكم من أزواج وزوجات ظلوا تحت سقف واحد متباعدين، مكرهين على العيش معا فقط للإفلات من الحشر فى خانة «مطلق» وكذلك لإيجاد بيئة أسرية طبيعية، ولو شكليا، لأولادهم. لم يعد الحال كذلك حيث تخلص كثيرون من الذنب الاجتماعي، وأصبح لديهم جسارة المضى فى طريق الطلاق دون أن يعبأوا بوصف سلبى يلصق بهم، وأحيانا يبررون ذلك بالحرص على الأبناء أنفسهم. وإذا نظرنا إلى حجم الطلاق فى المجتمع، وكنا صرحاء مع أنفسنا، ينبغى أن نعترف أن مفهوم الأسرة ذاته يواجه تغييرا تدريجيا بحيث أصبح يشمل أسرة يعيش فيها زوجان وأولاد معا، وكذلك أسرة يعيش فيها أحد الزوجين مع الأولاد، عادة الزوجة التى تعول أسرتها. من هنا لم يعد «الطلاق» - وفق هذه التحولات فى المجتمع- تهديدا للأسرة، بقدر ما أصبح خيارا اجتماعيا متاحا ينتج شكلا مختلفا للأسرة. المسألة ليست دينية، وليست كذلك تقدما أو تراجعا بالمعنى الاخلاقي، بقدر ما هى نتاج تحولات اجتماعية عميقة فى المجتمع، ندركها عندما نرفع الغلالة الدينية عنه، ونتبين كم التناقضات التى تتفاعل فى باطنه. لا أحد يتجه إلى انهاء علاقة اجتماعية مهمة مثل الزواج ما لم تكن هناك أسباب وراء ذلك أيا كان رأينا فيها، لا يدركها سوى أصحابها. وإذا اكتشفنا أن نسبة الطلاق فى السنة الأولى من الزواج تبلغ 45%، ندرك أن المشكلة فى أصلها اجتماعية، تتعلق بشرائح من الشباب لا تستطيع أن تواجه تحديات الحياة، أو تفتقر إلى الخبرة وصلابة التحمل، وتعوزها المهارات الاجتماعية، ولم تعد تولى الاعتبارات المتوارثة التى تنفر من الطلاق أية اعتبار، ولعل لجوء الكثير من الزيجات الشابة إلى السكن بنظام الايجار الجديد، خلافا للأجيال السابقة، يحمل فى ذاته دلالات اجتماعية بالتغيير، والتنقل، وهو ما انعكس على بنية الأسرة ذاتها. إذا أردنا أن نواجه ظاهرة الطلاق يتعين أن ندرك أن المجتمع تغير بما يستدعي، ضمن عوامل أخرى، تطوير النظام التعليمى حتى يساعد الأجيال الشابة على تكوين المهارات المطلوبة التى تعينها على تكوين أسرة بقدر من الوعي، وإدراك طبيعة التحديات، والتواصل الايجابي، وتوفير إرشاد أسري، ليس بالمعنى الدينى أو التوجيهى فقط، ولكن أيضا بالمعنى الاجتماعى خصوصا أن الأجيال الشابة تحتاج إلى أن تتكلم، وتجد آذنا تسمعها، وعقولا تجيبها، وتعينها على مواجهة مشاكلها. لمزيد من مقالات د. سامح فوزى ;