أوقات نبحث وسط زحام الحياة علي أنامل خاصة تعزف داخلنا علي اوتار الاحاسيس المتنوعة بين الضيق والفرح و الحب لتساعدنا علي تحمل واكتساب الكثير من ألحان الحياة؛ وبينما نبحث هنا وهناك وننتظر العون من أبعد مكان يخرج أعظم لحن من بين أصابعنا المنغمسة في الطين لندرك أن كل ما نبحث عنه ما هو إلا إحساس الطين!! هذا المقال ما هو سوي مشهد لفنان يجلس أمام آلة القولبة التي تدور في مدارها جزيئات الطين بين أصابع صانعها لتكوين عمل فني منفرد... كنتُ أجلس بعيداً أشاهد هذا الرجل الهائم وأنامله تلامس الطين وكأنه يعزف مقطوعته الخاصة.. يأخذ بيده كتلة صماء من الطين لتدور بين أناملة وكأنها تأخذ من إحساسه وروحه مع كل دوران حتي تكتمل مقطوعته الموسيقية لتخرج عمل فخاري رائع الجمال.. قبل هذا اليوم كنت أري أن الطين أو الصلصال عبارة عن مادة ترابية تتألف من جزيئات صغيرة جداً، أصغر بكثير من حبيبات الرمل، يتشكل الطين مع مرور الوقت بعمليات ضغط المياه فتتكسر ليتم استخراجها والاستفادة منها في تصنيع العديد من الصناعات كالفخار والسيراميك وطوب البناء والبلاط و التحف وغيرهم الكثير، لكن اليوم تغير كل ما أعرفه أمام هذا المشهد البعاث للحياة.. كنتُ أتسأل في صمت كيف لهذا الرجل أن يركز إحساسه في كف يده الذى سيتعامل به مع الطين هكذا حتي تخرج القطعة من بين أصابعه كمعزوفة حية تختلف باختلاف أحاسيسه. بين القطعة والأخرى كان يتيح لأنامل الأطفال الصغيرة أن تتعلم وتشعر بإحساس الصنع حتي يكتمل التكوين، ومع كل قطعة جديدة كانت قدماي تخطو خطوة نحو هذا الفنان حتي وجدته يبتسم وهو يقول " السر كله في الإحساس.. تعالي جربي إحساس الطين." بدون أي تردد تقدمت وأخذت الطين بين يدي.. ملمس ناعم بلا روح تحول بين أصابعي في ثواني إلي جزء من روحي يدور بين يدي أشكلة كيف أشاء وفقاً لأحاسيسي التي ذابت بإحساس الطين.. أغمضت عيني لثواني فوجدتني أدور بين يدي أتغير وأتطور مع دوران الحياة، أفقد أشياء لأكتسب أخري، أتعرض كالفخار لعمليات معالجة مختلفة حتي أصبحت أنا اليوم.. فتحتُ عيني علي صوت الرجل وهو يقول " نحن من الطين وإلي الطين نعود.. تدور بنا الدنيا لتحفر علينا أشكال الزمن لنخرج بأشكال مختلفة لكن كل إناء ينضح بما داخله.. لا تترددي في اكتشاف كل جديد، فمع كل تجربة يزداد الإناء تفرداً وجاذبية.. وإن تاهت خطاكِ يوماً ما أبحثِ داخلك عن إحساس الطين.." هنا توقف الدوران لتقف مقطوعتي عن العزف بعد أن داعبت كل أوتار مشاعري لأمسك بين يدي في النهاية إنائي الصغير وبين ثنايا قلبي و روحي إحساس الطين. [email protected] لمزيد من مقالات مى إسماعيل;